مقالات و آراء

مكاتب استقدام العمالة في الأردن: بين الدور الوطني والتحديات التنظيمية

مقالات واراء – هلا نيوز اونلاين – الدكتور احمد الهباهبه

مكاتب استقدام العمالة في الأردن: بين الدور الوطني والتحديات التنظيمية

تُشكّل مكاتب استقدام العمالة في الأردن أحد الأعمدة المهمة في البنية الاقتصادية والاجتماعية للدولة، لما تلعبه من دور في تنظيم سوق العمل، وتسهيل دخول العمالة الأجنبية بما يتوافق مع القوانين المحلية والمعايير الدولية. فعلى مدى سنوات، ساهمت هذه المكاتب في تعزيز صورة الأردن كمركز موثوق لاستقدام العمالة المدربة، ملتزمةً بالأخلاقيات المهنية، ومراعيةً لحقوق العاملين وأصحاب العمل على حد سواء.

إلا أن هذا القطاع، الحيوي والاستراتيجي، يواجه اليوم تحديات متصاعدة تهدد استقراره وقدرته على الاستمرار. أبرز هذه التحديات تتمثل في القرارات المفاجئة والمتكررة من قبل الجهات الرسمية، خاصة وزارة العمل، دون إجراء مشاورات فعلية مع أصحاب المهنة أو النظر في الآثار الواقعية لهذه القرارات على أرض الواقع.

من أبرز الإشكالات التي يعاني منها أصحاب المكاتب، ما يتعلق بـ”الكفالات” المفروضة، والتي تُعد عبئًا ماليًا خانقًا، إضافة إلى العقبات البيروقراطية في التعامل مع بعض السفارات الخارجية، ما يؤدي إلى تأخير إنجاز المعاملات، ويضر بكفاءة العملية برمتها.

وعلى الرغم من أن الجهات الرسمية تُظهر حرصها على تنظيم القطاع، إلا أن أصحاب المكاتب يؤكدون أن التنظيم لا يعني بالضرورة التضييق، بل يجب أن ينبع من شراكة حقيقية مبنية على الحوار والتفاهم، ووضع آليات شفافة تُراعي مصلحة جميع الأطراف.

التهديد الأكبر الذي يواجه هذا القطاع يكمن في فتح باب التراخيص على مصراعيه دون رقابة حقيقية أو اشتراط الخبرة. فقد بات بإمكان أي شخص، حتى دون أي خلفية مهنية أو عمل سابق في مكاتب الاستقدام، التقدّم بطلب لفتح مكتب جديد، مما يزيد من التنافس العشوائي في ظل أوضاع اقتصادية صعبة وركود في السوق.

وتزداد الضغوط مع ارتفاع التكاليف التشغيلية للمكاتب، مثل رواتب الموظفين، إيجارات المقرات، سكن العاملات، والاشتراكات بالضمان الاجتماعي. يضاف إلى ذلك الضبابية التي تحيط بتطبيق نظام رقم 63، والذي يعتبره كثيرون مجحفًا بحق أصحاب المكاتب، ويحمّلهم أعباء إضافية تهدد بقاءهم في السوق.

ومما زاد من الاحتقان في القطاع، هو التوجّه للسماح لشركات عمالة خارج إطار مكاتب الاستقدام بالعمل في مجال تنظيف المنازل بنظام المياومة، وهو ما يراه أصحاب المكاتب انتهاكًا واضحًا لاختصاصهم، وضربة قاسية تهدد مصدر رزقهم، خصوصًا في ظل غياب تكافؤ الفرص والتكاليف التنظيمية المتفاوتة بين الطرفين.

وفي خضم هذه التحديات، تُطرح تساؤلات مشروعة عن مدى التزام بعض الجهات الحكومية بتوجيهات القيادة الهاشمية. فقد أمر جلالة الملك عبد الله الثاني بضرورة التحول إلى المعاملات الإلكترونية لتسريع الإجراءات وتخفيف العبء عن المواطن، إلا أن بعض الدوائر لا تزال تطلب تصوير كافة صفحات دفتر العائلة، رغم وجود تطبيق “سند” الذي يُتيح الوصول إلى البيانات بشكل رقمي وآمن.

في الختام، لا يسعى أصحاب المكاتب إلى الامتيازات أو الاحتكار، وإنما إلى العدالة والإنصاف والتشاور قبل اتخاذ قرارات مصيرية. إن مكاتب الاستقدام، بكونها جزءًا من المنظومة الاقتصادية والاجتماعية، تستحق أن يُنظر إليها كشريك لا كعبء. وإذا كان “الإنسان أغلى ما نملك” كما قال الراحل العظيم الملك الحسين بن طلال، فإن دعم هذه المؤسسات هو دعم لمواطنين، لعائلات، ولسوق عمل متوازن ومنظم، يخدم الوطن وسمعته أمام المحافل الدولية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى