الاستيقاظ فجراً ليس اضطراباً.. ما لا تعرفه عن النوم التاريخي

إذا كنت تستيقظ في الثالثة فجراً وتتساءل ما إذا كان هناك خطأ ما في نومك، فربما عليك أن تعرف أن هذا ليس أمرا غريبا أو مرضيا كما نتخيل، فالنوم المتواصل لثماني ساعات هو عادة حديثة، وليست الطريقة التي نام بها البشر عبر التاريخ.
فمعظم البشر، لآلاف السنين، لم يناموا “نومة واحدة” وكان النوم يتم على مرحلتين: “النوم الأول” و”النوم الثاني”، مع فترة يقظة قصيرة بينهما تمتد قرابة ساعة أو أكثر.
وخلال هذه اليقظة الليلية، كان الناس يصلّون، يقرأون، يتحدثون، ينجزون أعمالا بسيطة، وتذكر يوميات ورسائل من أوروبا وأفريقيا وآسيا النمط نفسه: نوم مبكر، استيقاظ منتصف الليل، ثم العودة للنوم حتى الفجر.
هذا النظام بدأ يتغيّر تدريجيا قبل نحو 200 عام فقط وفقا لـ”ساينس أليرت”، بعد ظهور الإضاءة الاصطناعية ثم الثورة الصناعية.
فمع توفر المصابيح ثم الكهرباء، أصبح الليل وقتا أطول للعمل والترفيه، وبدأ الناس يسهرون أكثر، فتلاشت “فترة اليقظة الليلية” واختفى ما كان يُسمى بالنوم الثاني.
ومع انتشار نمط العمل الجديد، أصبح المجتمع يفضّل “نوما واحدا متواصلا”، وتحولت فكرة النوم المتقطّع إلى شيء غير مألوف، رغم أنها كانت القاعدة لقرون.
ويؤكد العلم الحديث ذلك، ففي تجارب مخبرية عُزل فيها المتطوعون عن الضوء الصناعي وحياة المدن، عاد أغلبهم تلقائيا للنوم على فترتين، تماما كما كان يفعل البشر في الماضي.
كما أظهرت دراسة حديثة عن مجتمع زراعي في مدغشقر لا يستخدم الكهرباء أن سكانه ما زالوا ينامون “على دفعتين”.
ويتدخل عامل آخر في القصة: الضوء. فالضوء الصناعي ليلا يغيّر إيقاع الساعة البيولوجية ويؤخر إفراز هرمون الميلاتونين؛ ما يجعل أجسامنا أقل ميلا للاستيقاظ بعد بضع ساعات من النوم، ويعزز فكرة النوم المتواصل.
بينما في البيئات الطبيعية، خصوصا في الشتاء مع قلة الضوء، يصبح تنظيم الإيقاع اليومي أصعب، ويظهر الميل للنوم المتقطع بوضوح أكبر.
أطباء النوم يؤكدون أن الاستيقاظ القصير خلال الليل طبيعي تماما، ويحدث عند الانتقال بين مراحل النوم، خصوصا مرحلة الأحلام.
باختصار: النوم المتواصل طوال الليل ليس “خيار البشر منذ الأزل”، بل نتيجة حداثية فرضتها الكهرباء والعمل الصناعي.
والاستيقاظ فجراً لا يعني بالضرورة اضطرابا نفسيا أو جسديا، بل ربما عودة لا إرادية إلى نمط نوم أقدم من كل التقويمات والمنبّهات الرقمية.




