ما سر طعم القهوة البدوية المميز؟

هلا نيوز
القهوة ليست مجرد مشروب عادي كونها المشروب الأكثر شهرة في الأراضي العربية، والأكثر تناولاً حيث تحولت من كونها مشروباً صباحياً اعتيادياً إلى رمزٍ للكرم والضيافة لدى العرب. أما القهوة البدوية تحديداً فهي تختلف كثيراً عن القهوة العربية العادية؛ إذ تمتاز بمذاق قوي ورائحة مميزة وطريقتها الخاصة في التحضير والتقديم. لكن ما الذي يجعل القهوة البدوية تمتلك هذا الطعم الفريد؟ وهل تختلف فعلاً عن القهوة العربية المتعارف عليها في المدن؟ هذا ما نكتشفه في السطور التالية.
القهوة البدوية هي نوع من القهوة العربية الأصيلة التي تعكس تراث البادية الأردنية والعربية القديمة، تُحضّر من حبوب البن المحمصة على النار مباشرة، ثم تُطحن يدوياً في “المهباش”، وتُغلى على نار هادئة في “الدلة” حتى تفوح رائحتها الزكية التي تُنذر بقدوم الضيوف أو بداية مجلس عربي أصيل. وتُعتبر القهوة البدوية جزءاً من الهوية الثقافية والاجتماعية للبادية، حيث يقال: “فنجان القهوة عنوان الرجال”، في إشارة إلى أن تقديمها يدل على الكرم والشهامة والأصالة.
يكمن سر نكهة القهوة البدوية في طريقة تحضيرها التقليدية ومكوناتها الخاصة، فهي تُحمص على نار الحطب أو الفحم ما يمنحها نكهة مدخنة مميزة لا يمكن تقليدها بالآلات الحديثة. بعد التحميص، تُطحن الحبوب في “المهباش” الخشبي، والطحن اليدوي يحافظ على زيوت البن الطبيعية التي تضيف نكهة غنية ومركزة. المكون السري هو الهيل الذي يمنح القهوة عبقها الفريد، وتضيف بعض القبائل القليل من الزعفران أو المستكة أو القرنفل حسب العادات. ثم تُغلى القهوة على نار هادئة في الدلة النحاسية لفترة طويلة، ما يجعل الطعم أكثر تركيزاً وغنًى بالنكهة.
ورغم تشابه الاسم بين “القهوة البدوية” و”القهوة العربية”، إلا أن هناك فروقاً واضحة بينهما. فالقهوة البدوية تُحمص يدوياً حتى تصبح داكنة وذات نكهة قوية ومدخنة، بينما القهوة العربية تُحمص على نار متوسطة وتكون أخفّ وأميل للطابع العطري. كما أن القهوة البدوية تُقدَّم بدون سكر وفي فناجين صغيرة، بينما العربية تُقدَّم عادةً مع تمر أو حلويات، وتُعد رمزاً للضيافة العامة في المدن والخليج، فيما تبقى القهوة البدوية عنوان الأصالة والكرم الريفي.
طقوس إعداد القهوة البدوية لا تقلّ أهمية عن طعمها، إذ يتم تحميص البن أمام الضيوف كدليل على الصدق، وطرق المهباش لإعلان بدء الإعداد، وسكب الفنجان الأول الذي يُعرف بـ”فنجان الهيف” ويشربه المضيف للتأكيد على صفاء القهوة. كما تُقدَّم القهوة باليد اليمنى للضيف الأكبر شأناً، ولا يُملأ الفنجان بالكامل احتراماً للعادات.
تحمل القهوة البدوية فوائد صحية عديدة، فهي تنشّط الذهن وتحسّن التركيز، وتحتوي على مضادات أكسدة بفضل الهيل والبن المحمّص، كما تساعد على تحفيز الدورة الدموية وتحسين المزاج، لكن يُنصح بتناولها باعتدال لتجنّب الأرق أو ارتفاع ضغط الدم.
وفي البادية الأردنية، ما زالت القهوة تُعتبر عنوان الكرم وواجهة البيت، إذ يُقدَّم فنجان القهوة أولاً قبل الطعام كرمزٍ للترحيب والاحترام. وحتى اليوم، يحتفظ الأردنيون في المدن والقرى بطقوس القهوة البدوية في المناسبات والأعياد، تأكيداً على الأصالة والعادات المتوارثة.
يبقى سر طعم القهوة البدوية في تفاصيلها البسيطة — النار، المهباش، الدلة، والهيل — تلك العناصر التي تجمع بين التراث والطبيعة، وتجعل من كل فنجان حكاية تُروى عن كرم الصحراء ونقاء القلوب




