الأخبار الدولية

“حرب ظل جوية”.. “الناتو” يختبر أنظمة ذكية لمواجهة المسيّرات الروسية

في سباق أمني جديد، قرر حلف شمال الأطلسي “الناتو” خوض اختبار ميداني لأنظمة متقدمة لكشف وتحييد الطائرات المسيرة، في خطوة تعكس حجم القلق من “حرب الظل الجوية” التي تشنها موسكو فوق الأجواء الأوروبية.

منذ سلسلة من الاختراقات الروسية المتكررة، لم يعد الحلف يكتفي بالتحذير بل انتقل إلى مرحلة “التجريب العملي” لأنظمة دفاعية قادرة على إعادة رسم معادلة الردع الجوي في القارة.

الأمين العام للناتو، مارك روته، أكد أن الحلف بات يعمل على تطوير “درع إلكتروني متكامل” يرصد ويتتبع المسيرات قبل وصولها إلى أهدافها، ضمن مشروع أوروبي أوسع يعرف بـ”جدار الطائرات المسيرة”، الذي يهدف إلى حماية أجواء الدول الأعضاء من أي تهديدات روسية محتملة.

ويأتي ذلك ضمن مبادرة “الحارس الشرقي” التي أطلقها الحلف لتقوية جناحه الشرقي، عبر تعزيز قدراته الدفاعية الجوية والبرية ونشر منظومات جديدة في دول المواجهة مع روسيا.

وتشمل الإجراءات العملية أيضًا إنشاء نظام موحّد للدفاع الجوي والصاروخي يتيح للقيادة اتخاذ قرارات فورية دون قيود وطنية، إلى جانب تجهيز قوات احتياطية من المقاتلات والسفن الحربية في شرق أوروبا.

توازن ردع جديد
ويرى مراقبون أن الناتو يتحرك اليوم على خطين متوازيين، تطوير التكنولوجيا الدفاعية، وإزالة الحواجز البيروقراطية التي تعيق سرعة القرار العسكري، خاصة أنه في ظل تصاعد النشاط الروسي في بحر البلطيق والبحر الأسود، واستخدام موسكو للمسيرات في مهام استطلاع وهجمات سيبرانية، يبدو أن الحلف يسعى لتثبيت “توازن ردع جديد” لا يُقاس بعدد الصواريخ، بل بقدرة الأنظمة الذكية على كشف العدو قبل أن يظهر على الرادار.

وأكد الخبراء أن إعلان الأمين العام لحلف “الناتو” عن اختبار أنظمة جديدة لكشف الطائرات المسيرة وتحييدها يأتي في ظل تصاعد المخاوف من الاختراقات الجوية الروسية للأجواء الأوروبية، وهو ما دفع الحلف والدول الأعضاء إلى بحث إنشاء منظومة دفاع متعددة الطبقات على طول الحدود الشرقية.

تصاعد التوترات العسكرية
كارزان حميد، المحلل السياسي والخبير في الشؤون الأوروبية قال إن الحرب الروسية – الأوكرانية دخلت مرحلة جديدة بعد تصاعد التوترات العسكرية شرق أوروبا؛ ما دفع دول الاتحاد الأوروبي إلى تبني مواقف أكثر حزمًا.

وأشار في تصريح لـ”رم نيوز” إلى أن عددًا من المسؤولين في الاتحاد وحلف الناتو تحدثوا عن اختراق طائرات مسيرة روسية للأجواء الأوروبية خلال الأسابيع الماضية؛ ما أثار جدلاً واسعًا بشأن الرد الأوروبي المناسب.

وذكر حميد أن بروكسل طرحت حلولًا متعددة، منها إسقاط المسيرات داخل الأجواء الأوروبية أو تطوير منظومات رادارية للكشف المبكر، مشيرًا إلى أن المال كان الفيصل في النهاية، إذ جرى تبرير عدم إسقاط بعض المسيرات لتكلفتها الباهظة، وهو ما يرجح تراجع الأولويات العسكرية أمام الحسابات الاقتصادية.

وأضاف الخبير في الشؤون الأوروبية، أن بروكسل منذ 2022 تتعامل كطرف غير مباشر في النزاع من دون معالجة جذرية لأسبابه؛ ما جعلها أكثر عرضة للتهديدات المباشرة والهجينة المنسوبة لموسكو.

وتوقف حميد عند خطوة السويد السريعة بالإعلان عن تطوير تقنية لاعتراض المسيرات بعد كشف الاختراقات، لافتًا إلى أن سرعة الاستجابة تثير تساؤلات حول ما إذا كانت هذه التقنية جاهزة مسبقًا.

استنزاف القدرات الروسية
واعتبر كارزان حميد، أن استراتيجية زيلينسكي تقتصر على استنزاف القدرات الروسية وتلقي مزيد من الأسلحة دون ضمانات بعدم استهداف المدنيين أو البنى التحتية.

وأشار إلى احتمال أن تكون “مزاعم” اختراق الأجواء ذريعة لتوسيع عمل عسكري، ولم يستبعد أن تكون بعض الاختراقات من داخل أوروبا نفسها، مستشهداً بتصريحات لمسؤول روسي حمّل أوكرانيا أدوارًا استفزازية.

وأكد حميد أن استمرار الأزمة مرتبط بعقلية “صقور الحرب” في أوروبا وباهتمام الجانب الآخر من الأطلسي بجمع مكاسب مالية، متوقعًا مزيدًا من تدفق الأسلحة وتوسيع نطاق العمليات إلى مناطق أوسع، مع استعادة الولايات المتحدة لجزء من النتائج لاحقًا.

صد المسيرات الروسية
من جانبه، قال آصف ملحم، مدير مركز “جي إس إم” للأبحاث والدراسات في روسيا، إن النظام الأوروبي المقترح لمواجهة الطائرات المسيرة يقوم على منظومة دفاع متعددة الطبقات تمتد على طول الحدود الشرقية للقارة، فيما لا يزال تطبيقها على الحدود الشمالية قيد البحث.

وأكد أن هذه المنظومة تجمع بين رادارات، وأجهزة استطلاع إلكتروني، ومجسات بالأشعة تحت الحمراء والبصرية، وأنظمة أخرى لرصد وتعقب الطائرات المسيرة بدقة في بيئات تشغيل معقدة.

وأوضح ملحم أن الطبقات التالية تتضمن طائرات مسيّرة اعتراضية مخصصة لتدمير الأهداف بالاصطدام أو بوسائل أخرى، ثم أنظمة للحرب الإلكترونية لصد المسيرات حال اختراقها خطوط الدفاع.

وأضاف مدير مركز “جي إس إم” للأبحاث أن المشروع يدمج كذلك أنظمة دفاع جوي تقليدية “صواريخ أرض-جو ورادارات أرضية” ضمن واجهات تشغيل موحدة وبروتوكولات متوافقة بين المكونات.

ووصف ذلك بأنه يُذكّر بمبدأ أمريكي معروف بـ«منع الوصول/حظر المنطقة» (Anti‑Access/Area Denial – A2/AD)؛ مشيرًا إلى أن جدارَ المسيراتِ الأوروبي، رغم مظهره الدفاعي، يمنح إمكانياتٍ هُجوميةً عبر فرض السيطرة الجوية وتحريك خطوط الدفاع نحو داخل الخصم إذا لزم.

وأوضح ملحم أن التطبيق قد يتضمن نقل مراكز قيادة وسيطرة وقواعد انطلاق مسيرات إلى الأمام، مع استمرار مهام الاستطلاع والحرب الإلكترونية والاعتراض وحتى ضرب أهداف أرضية دقيقة.

واعتبر ملحم أن هذا التوجه لا يغير فقط أدوات الحرب بل يعيد تشكيل طبيعة القوات نحو “جيش جديد” يعتمد على المسيرات والذكاء الاصطناعي وتكامل نظم المعلومات؛ ما يمكّن من تحييد قوات تقليدية بتكلفة أقل وخسائر بشرية محدودة، ويجعل من هذا النموذج مرجعية للقوة الفعّالة في الصراعات المستقبلية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى