من هنا وهناك

جيل Z.. كيف تحول “الشباب الرقمي” إلى قوة تغيير عالمية؟

يُعرّف جيل z بشكل مبسّط، بأنهم الفئة التي نشأت في عصر الإنترنت عالي السرعة، والهواتف الذكية، ووسائل التواصل الاجتماعي مثل إنستغرام وتيك توك، وبشكل أوضح هم الجيل الذي لم يعرف العالم دون الإنترنت، مما يجعلهم “الرقميين الأصليين”.

لكن هذا الجيل الذي يشمل من وُلدوا بين عامي 1997 و 2012، تتعدّد محددات تصنيفه، فإضافة إلى ارتباطه بالإنترنت، هناك روابط أخرى، مثل الآراء والمعتقدات غير التقليدية فيما يتعلق بالجنس والهوية.

ومع أوصاف عديدة تُطلق على أبناء هذا الجيل بأنهم “أذكاء وقلقون، مدللون ومتوترون”، كما في تقرير لصحيفة “الغارديان” البريطانية، فإنهم أيضاً باتوا أداة التغيير السياسي والقوة الشرائية الأكبر والتي تصل إلى 100 مليار دولار سنوياً، والجيل الأكبر في العالم.

أصل التسمية
بدأت تسمية “جيل Z” في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تحديدًا حوالي عام 2010-2011، كتطور طبيعي لتصنيفات الأجيال السابقة مثل “جيل X” (1965-1980) و”جيل الألفية” أو Millennials (1981-1996).

وكان وراء إطلاق التسمية شركات الأبحاث السوقية والإعلانية لوصف الجيل التالي، حيث كانت الحاجة إلى تصنيف تسويقي لاستهداف الشباب الذين يولدون بعد الألفية.

وتحديدًا، تعود التسمية إلى شركة “BBDO”، وهي كالة إعلانية أمريكية كبرى، التي استخدمت مصطلح “Generation Z” في حملاتها التسويقية عام 2010 للإشارة إلى الأطفال والمراهقين الذين كانوا وُلدوا في أواخر التسعينيات وبداية الألفية الثالثة. كما أسهمت شركة “Nielsen” في تعزيزها من خلال تقاريرها عن اتجاهات المستهلكين في 2012، حيث وصفت الجيل بأنه “الجيل الذي لا يعرف عالماً دون إنترنت”.

أوصاف أخرى
خلافاً لجيل الألفية “الميلينيالز”، الذي شهد صعود الإنترنت، نشأ جيل Z في عصر الهواتف الذكية والتواصل الاجتماعي الدائم، وربّما هذا ما جعل من الخصائص البارزة لهذا الجيل هو التنوع الديموغرافي غير المسبوق، ففي الولايات المتحدة، تشكل الأقليات العرقية والإثنية نحو 50% من أفراده، مع ربع يعرفون أنفسهم كلاتينيين، كما يذكر تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز”.

كما أنهم أكثر انفتاحًا على الهويات الجنسية، حيث يعرف 16% منهم أنفسهم كجزء من مجتمع الميم. أما جغرافياً، فيعيش معظمهم في المدن، وهم أقل ميلًا للتنقل مقارنة بالأجيال السابقة.

فيما يتميزون سلوكياً، بالبراغماتية والنضج المبكر، حيث يتجنبون المخاطر مثل الشرب تحت السن القانوني، ويؤخرون الزواج، مع نسبة زواج تصل إلى 4% فقط بين 18 و21 عاماً.

تأثر جيل Z بأحداث تاريخية مثل الركود الاقتصادي العالمي 2007-2009، جائحة كوفيد-19، وانتشار التكنولوجيا، وهو ما أثّر حتماً على تفضيلهم للتواصل الرقمي المؤقت عبر تطبيقات مثل سناب شات، بدلاً من المنشورات الدائمة على فيسبوك.

ماذا يواجه جيل z ؟
تحديات متعددة تجعله يشعر بالضغط الشديد، من أبرزها الأزمة الصحية النفسية، حيث تفيد “الغارديان” بأن ثلث الشباب من 18 إلى 24 عاماً يعانون من أعراض اضطرابات نفسية مثل الاكتئاب أو القلق، مقارنة بربع في عام 2000.

كما يُشاعُ بأن هذا الجيل يعاني من “ثقافة سامة” تجعلهم يتجنّبون المخاطر، مع ارتفاع معدلات القلق بسبب التربية الزائدة الحماية والضغوط الاجتماعية، إضافة إلى التأثيرات السلبية لظروف مثل تكاليف المعيشة، وصدمة كورونا، والتغير المناخي وضغوط المدارس والعمل غير المستقر، ثمّ الحروب الكارثية كما في أوكرانيا وغزة.

ولا يمكن إغفال مسحة التشاؤم التي “تميّز” هذا الجيل، إذ يرى المستقبل قاتماً، اقتصادياً واجتماعياً، فهم قلقون بشأن التقاعد، مع شعور بعدم القدرة على تجاوز آبائهم مالياً، فيما تُفاقم وسائل التواصل الاجتماعي هذه المشكلات، حيث تؤدي إلى مقارنات غير واقعية وشعور بالعزلة، مما يزيد من الاكتئاب والقلق خاصة بين الفتيات.

كما يواجهون صعوبات في سوق العمل، مثل عدم القدرة على الحصول على وظائف رغم التعليم، والمنافسة الشديدة، مما يؤدي إلى إحباط وفقدان الدافعية. بالإضافة إلى ذلك، يعاني الجيل من تأثيرات التكنولوجيا، حيث تفيد “الغارديان” بأن الهواتف الذكية تسبب فقدان النوم، تقليل التفاعل الاجتماعي، وإدماناً، مما يسهم في أزمة الصحة النفسية.

لكن المفزع بحسب “نيويورك تايمز”، هو تسميات أخرى بدأت تلتصق بهم، استناداً إلى تشاؤمهم الغالب وقلهم الدائم، حتى باتوا يعرفون بـ “جيل المرض”.

من الإحباط إلى “الثورة”
لكنهم أيضاً “جيل الثورة”، فرغم التحديات، أصبح جيل Z قوة سياسية مؤثرة، خاصة في الحركات الاحتجاجية العالمية. في نيبال، قاد الشباب احتجاجات “جيل Z” ضد الفساد والحظر على وسائل التواصل، مما أدى إلى استقالة رئيس الوزراء كي بي شارما أولي، بعد مقتل 22 شخصاً في يومين.

وألهمت هذه الاحتجاجات الشباب، مستلهمين من عمدة كاتماندو باليندرا شاه، الذي دعم المتظاهرين عبر وسائل التواصل، ضد النخب الفاسدة، مع شعارات مثل “الشباب ضد الفساد”، مما أدى إلى حرق المباني الحكومية وتعيين رئيسة وزراء مؤقتة.

وامتد التأثير إلى دول أخرى، ففي مدغشقر، استلهم المتظاهرون من نيبال وكينيا، مطالبين برحيل الرئيس أندري راجولينا، وقبل ذلك كانوا في بنغلاديش يطيحون بحكومة شيخ حسينة، مستلهمين من سريلانكا وإندونيسيا.

وعبر استخدام مرن لتطبيق “تيك توك” نظم هؤلاء الشباب احتجاجات غيّرت المشهد السياسي في جنوب آسيا على وجه التحديد، وهي تُنذر بتغييرات مقبلة في أفريقيا وأمريكا، مع تحذيرات من انفجار طاقاتهم في الغضب العارم على الأوضاع السياسية والاقتصادية.

التوظيف الأيدولوجي
لكن التحذيرات الأخطر تأتي من إمكانية التوظيف الأيدولوجي لهؤلاء الشباب، حيث يُستغلون بالفعل، بحسب “الغارديان” إلى الشعبوية واليمينية المتطرّفة، ففي بريطانيا مثلاً يُفضّل 52% من الشباب قائداً قوياً يتجاوز البرلمان كمكان ديمقراطي.

كما يرى تقرير “الغارديان” أن تيك توك، بخوارزمياته، عزّز الشعبوية اليمينية لدى الشبّان الأمريكيين في انتخابات خريف 2024، مما ساعد على فوز الرئيس الحالي، دونالد ترامب، بأصوات الذكور منهم على وجه التحديد.

ويعكس هذا أيضاً انقساماً جنسياً في الأيدولوجيا، فالشابات يميلن يساراً، بينما الشبان يميناً، وهو ما أكّدته الانتخابات الرئاسية الأمريكية، حيث فاز ترامب بفارق 14 نقطة بين الشبان.

ووفق هذه المعطيات، ترى “نيويورك تايمز”، أن جيل Z ليس “منقذاً”، بل قد يُستغل في حملات “متطرّفة” أو “شعبوية” قد تنتج قيادات من أقصى اليمين، مشيرة إلى أن منتدياتهم تحفل بتميجد النماذج اليمينية المتعصّبة. كما تعتقد أن هذا التوظيف يهدد الديمقراطية، ويُنذر بنشوء “عالم أكثر تعقيداً”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى