“تنظيم الظواهر الاجتماعية”

تقارير ودراسات – هلا نيوز اونلاين
الدكتور احمد الهباهبه
في خطوة تعكس وعيًا حكوميًا متزايدًا بالتحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه المواطنين، أطلقت وزارة الداخلية الأردنية مبادرة نوعية تحت عنوان “تنظيم الظواهر الاجتماعية”. تهدف هذه المبادرة إلى ترشيد مظاهر التباهي والإسراف في المناسبات الاجتماعية، سواء كانت أفراحًا أو أتراحًا، وذلك بهدف التخفيف من الأعباء الاقتصادية والاجتماعية المرهقة التي طالما أثقلت كاهل الأسر الأردنية.
الواقع الاجتماعي والاقتصادي قبل المبادرة: عبء المفاخرة والإسراف
لطالما اتسمت العديد من المناسبات الاجتماعية في الأردن، وخاصة الزواج والعزاء، بطابع المفاخرة والمبالغة. هذه الممارسات، التي تحولت مع مرور الوقت إلى عادات راسخة، أدت إلى تراكم أعباء مالية واجتماعية هائلة على الأسر. ففي الأفراح، كان ارتفاع المهور والنفقات المرتبطة بتجهيزات الزواج وحفلاته الباذخة يدفع بالشباب إلى العزوف عن الزواج أو البحث عن بدائل خارج الأردن، مما يهدد النسيج الاجتماعي. كما كانت المهرجانات والمواكب الصاخبة، التي تعطل حركة السير وتسبب إزعاجًا عامًا، جزءًا من هذه المبالغات.
أما في الأتراح، فقد كانت بيوت العزاء التي تمتد لثلاثة أيام، وما يصاحبها من تكاليف باهظة لتقديم الطعام للمئات من المعزين، تشكل عبئًا إضافيًا على الأسر المكلومة، في وقت هي أحوج ما تكون فيه إلى الدعم والتخفيف، لا إلى المزيد من الالتزامات المالية والاجتماعية.
هذه الظواهر، التي نشأت غالبًا من رغبة في إظهار الكرم أو الحفاظ على مكانة اجتماعية معينة، انعكست سلبًا على الواقع الاقتصادي والاجتماعي للمجتمع الأردني ككل، وأدت إلى فروقات طبقية واضحة، وحملت الأفراد ما يفوق طاقتهم في ظل ظروف معيشية صعبة.
أهداف المبادرة: نحو التكافل والاعتدال
تأتي مبادرة وزارة الداخلية لتصحيح هذا المسار، منطلقة من إدراك عميق للواقع المعيشي الصعب للمواطن. تهدف المبادرة إلى:
•ترشيد النفقات: من خلال وضع ضوابط للمهور وحفلات الزواج وبيوت العزاء، لتقليل الأعباء المالية على الأسر.
•تعزيز التكافل الاجتماعي: بتقليص مظاهر المفاخرة والإسراف، تسعى المبادرة إلى إزالة الفروقات المصطنعة بين الفئات، وتعزيز قيم التضامن والمساواة.
•الحفاظ على النسيج الاجتماعي: من خلال تبسيط إجراءات الزواج، تشجع المبادرة الشباب على الإقدام على هذه الخطوة الأساسية في بناء الأسرة والمجتمع.
•تحقيق التوازن: تسعى المبادرة إلى إيجاد توازن بين العادات المتوارثة والظروف المعيشية المعاصرة، بما يضمن استمرارية التقاليد الأصيلة دون أن تتحول إلى أعباء.
مضامين المبادرة الرئيسية:
تتضمن المبادرة توجيهات واضحة لمختلف المناسبات:
•في الزواج: الدعوة إلى تقليل المهور وتبسيط الإجراءات، والاقتصار على حفلات أفراح صغيرة (لا تزيد عن 200 مدعو)، والامتناع عن المهرجانات والمواكب. كما تشدد على عودة الجاهات إلى طابعها العشائري البسيط، بعدد محدود من المشاركين (30 من أهل العريس ومثلهم من أهل العروس)، ودون دعوة أصحاب المناصب السياسية لترؤسها.
•في العزاء: تقليص مدة بيوت العزاء إلى يوم واحد فقط، واقتصار تقديم الطعام على ذوي المتوفى، لتخفيف الأعباء المالية والاجتماعية عن الأسر المكلومة.
رؤية وطنية شاملة:
تؤكد وزارة الداخلية أن هذه المبادرة ليست مجرد إجراءات إدارية، بل هي جزء من رؤية وطنية شاملة تهدف إلى ترسيخ قيم الاعتدال والتكافل الاجتماعي، وتعزيز الانسجام والاستقرار داخل المجتمع الأردني. من خلال إشراك مختلف شرائح المجتمع، من المجالس التنفيذية والأمنية إلى الشيوخ والوجهاء والمواطنين، تسعى المبادرة إلى بناء توافق مجتمعي حول هذه التغييرات الضرورية.