متجر شي إن يثير عاصفة غضب في باريس

تشهد فرنسا منذ أيام حالة من الجدل والاحتجاجات ضد دار الأزياء الصينية العملاقة “شي إن”، مع اقتراب افتتاح أول متجر دائم لها في قلب العاصمة باريس، في خطوة وُصفت بأنها “غزو صامت” للسوق الفرنسية وتهديد مباشر لهوية الموضة المحلية.
وعلى جدران المتجر الجديد في مبنى “بي إتش في” العريق، ظهرت شعارات غاضبة مثل “شي إن تقتل” و”استغلال.. عبودية.. تلوث”، في مشهد يلخّص حجم الغضب الشعبي تجاه العلامة التجارية المثيرة للجدل.
ورغم الانتقادات التي واجهتها خلال افتتاح متاجر مؤقتة في مدن فرنسية مثل تولوز ومرسيليا ومونبلييه، قررت “شي إن” المضي قدمًا في خطتها لتدشين أول فروعها الدائمة في فرنسا، مع توسّع مرتقب إلى مدن ديجون، غرونوبل، ريمس، وليموج خلال العام المقبل.
وتعتمد الشركة نموذج “الأزياء فائقة السرعة”، الذي يوفّر ملابس بأسعار منخفضة بشكل غير مسبوق، لكنه يثير تساؤلات بيئية وأخلاقية تتعلق بالاستدامة وظروف العمل والاستهلاك المفرط.
وتؤكد “شي إن” أن هذه الخطوة تهدف إلى تعزيز الحضور خارج الفضاء الرقمي عبر تجربة تسوق مباشرة، إلا أن الخطوة فجّرت عاصفة انتقادات من مصممين فرنسيين وتجار تجزئة وعُمَد مدن، وصفوها بأنها “طعنة في قلب الموضة الفرنسية”.
وتحت شعار “شي إن لا تمثلنا”، اجتاحت دعوات المقاطعة مواقع التواصل الاجتماعي، فيما أعلنت عمدة باريس آن هيدالغو رفضها القاطع للمتجر الجديد، مؤكدة أن وجوده يتناقض مع رؤية باريس كعاصمة للتجارة المستدامة ودعم المنتج المحلي.
وكتبت هيدالغو على “لينكد إن” أن المدينة يجب أن تبقى نموذجًا للابتكار الأخلاقي والاستدامة، لا مركزًا للأزياء الرخيصة سريعة الزوال.
وانضم إلى موقفها الاتحاد الفرنسي للملابس الجاهزة، الذي اتهم الشركة بإغراق السوق بمنتجات تُستعمل مرة واحدة، محذرًا من آثارها على آلاف العاملين في القطاع المحلي.
وفي حين تجاوزت عريضة حظر “شي إن” في فرنسا 270 ألف توقيع، تؤكد الشركة المملوكة لمستثمرين صينيين وسنغافوريين أنها ستواصل توسيع حضورها العالمي، بعد تحقيقها أرباحًا تجاوزت مليار دولار في 2024.
وتتميز “شي إن” بضخ تصاميم جديدة بوتيرة غير مسبوقة، إذ تضيف نحو 7200 منتج يوميًا على موقعها، مستفيدة من نموذجها الإلكتروني الذي يتيح شحن الطلبيات مباشرة من المصانع الصينية إلى الزبائن حول العالم، دون المرور بسلاسل التوزيع التقليدية.
لكن الانتقال إلى افتتاح متاجر فعلية يفرض تحديًا جديدًا يتمثل في الحاجة لتخزين المنتجات داخل المتجر، ما يعني ارتفاع التكاليف التشغيلية وربما تقليص هامش الربح.
وفي الوقت نفسه، أقرّ مجلس الشيوخ الفرنسي مشروع قانون يستهدف الحد من ظاهرة “الأزياء فائقة السرعة”، عبر فرض ضرائب بيئية إضافية، حظر الإعلانات الترويجية، تقييد التعاون مع المؤثرين، وإجبار الشركات على الإفصاح عن ممارساتها الإنتاجية.
ويهدف القانون إلى توجيه العائدات الضريبية لدعم المنتجين الفرنسيين المستدامين. ورغم الإشادة بالمبادرة، يرى البعض أنها تميّز بين الأزياء السريعة “الكلاسيكية” مثل “زارا” و”إتش آند إم”، و”الأزياء فائقة السرعة” الصينية، في خطوة يعتبرها آخرون محاولة لتقويض المنافسة الأجنبية.
تاريخيًا، كانت باريس رائدة في تطوير نمط “الموضة السريعة” منذ سبعينيات القرن الماضي عبر منطقة سانتييه التجارية، التي اعتمدت على الإنتاج المحلي السريع بكميات محدودة.
واليوم، تجد فرنسا نفسها أمام مفارقة جديدة؛ فمن جهة، تدافع عن إرثها كعاصمة للأناقة والحرفية، ومن جهة أخرى تواجه تحدي العولمة الرقمية التي تجسّدها شركات مثل “شي إن”.
وبينما تتهيأ باريس لاستقبال متجر “الأزياء فائقة السرعة” في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، يبدو أن النقاش حول القيمة الحقيقية للموضة، بين السعر الرخيص والاستدامة، لم يعد مجرد نقاش اقتصادي، بل معركة ثقافية على روح الموضة نفسها.