الأخبار العربية

أول مجلس نواب بعد سقوط الأسد: حماسٌ وحذر في مقاهي دمشق وقلق في السويداء والكرد يشتكون من الإقصاء

هلا نيوز

جلست في أحد مقاهي وسط دمشق لأستمع إلى آراء مجموعة من السوريين حول تشكيل أول مجلس نواب بعد سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد. الحماس بدا ملموساً لدى بعضهم، لكنّ الصوت العام احتوى على قلق عميق، تساؤلات دستورية، ومخاوف من نهج «لونٍ واحد» في إدارة المرحلة الانتقالية.

“كنا نخشاها قبل عام”

يقول قصي حسن، أحد رواد المقهى: “لو أراد أحد أن يجري هذا اللقاء قبل عام واحد فقط لكنا خفنا أن نتحدث. كنا سنُسجن غالباً”. ويضيف قصي: “أي شيء سيكون أفضل مما كنا فيه”. شعوره أن التحول السياسي، حتى لو عبر آليات تعيين أقرب من الاقتراع المباشر، يمنح هامشاً من الحرية لا مثيل له في عهد الأسد.

لكن الهامش هذا يرافقه تحفظ واضح لدى كثيرين على طريقة الاختيار. فالرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع يعين ثلث أعضاء البرلمان (من أصل 210 أعضاء)، والباقي يُختار عبر هيئات ناخبة شكلتها لجنة الانتخابات التي عاد إليها تعيين الرئيس أيضاً. وهذا ما يدفع منتقدين للتشكيك بشرعية التمثيل.

“نحتاج إلى وقت”

أحمد صبيح، موظف حكومي، يقول إن عقد اقتراع مباشر الآن يواجه عقبات لوجستية كبرى: نزوح أعداد كبيرة من السكان، ودمار واسع في البنى التحتية بعد سنوات الحرب. “بعد سبعين عاماً من القمع، لا يمكن أن نصبح ديمقراطيين بين عشية وضحاها”، يضيف، داعياً إلى تحوّل تدريجي نحو الانتخاب.

فراغ وتمزق جهويان

لا تجرى انتخابات في دوائر عدة بسبب التوتر الأمني، ما يترك مقاعد شاغرة تخصّ طوائف وشرائح تعاني سابقاً من التهميش. سويداء مثال صارخ: مواجهات دامية بين دروز ومسلحين أدت لمئات القتلى، وخلّفت شرخاً عميقاً في العلاقة مع السلطة المركزية. حنان زهر الدين، دمشقية لها أقارب في السويداء، تقول بحسرة إنها فكرت في مغادرة البلاد بعد مقتل ابن عمها، لكنها عدلت: “كيف أترك أهلي في السويداء؟” وتختم: “أهل السويداء الآن يرفضون كل شيء”.

الموقف الرسمي يؤكد وجود تواصل: أحمد زيدان، المستشار الإعلامي للرئيس المؤقت، يقول إن السلطة الانتقالية تريد إرسال لجنة تحقيق للوقوف على ملابسات الاشتباكات في السويداء، لكنّ دخول اللجنة “لن يُسمح به” في ظل الوضع الأمني الحساس، ما يعكس غياب ثقة متبادل.

إحباط كردي من “النهج الواحد”

شمالي البلاد، حيث تتركز مناطق كردية، لم تُجرَ انتخابات أيضاً في عدة مناطق. مهاباد تزياني، ممثل عن المجلس الوطني الكردي في دمشق، يوجّه اتهاماً صارخاً للسلطة الانتقالية: “النهج الآن هو نهج اللون الواحد والصوت الواحد. لم يشركونا في أي حوار”. ويحمّل تزياني السلطات قصوراً في الاعتراف بالتنوع الفعلي للمجتمع السوري، ما قد يقود إلى مزيد من الاحتقان إذا لم تُعالج النقاط الخلافية سياسياً ومؤسسياً.

ثقة مفقودة وإشكاليات شرعية

الكثير من المحدثين يربطون شرعية البرلمان المستحدث بمشاركة أوسع تمثيلية للأقاليم والشرائح الاجتماعية. حنان تتساءل: “كيف يمكن لمجلس ولد من غياب مقاعد ودوائر أن يكون صحةً وقانونياً؟” ويضيف آخرون أن اختيار النواب بطريقة تُشبه التعيين قد يؤدي إلى طغيان توجه واحد ويفتقد ضمانات الشفافية والمساءلة.

خلاصة المشهد: خطوة رمزية لكنها هشة

التأسيس لمؤسسات ما بعد النظام خطوة ضرورية ولا جدال في ضرورتها. لكنّ المشهد السوري الراهن يظهر أن التحوّل إلى نظام تمثيلي مستقر يتطلب أولاً معالجة الآثار الميدانية للحرب: إعادة النازحين، تأمين قوائم انتخابية موثوقة، ضمانات لحقوق الأقليات، ومصالحة محلية في مناطق مثل السويداء. وإلا فإن أي برلمان، حتى لو شكّل لبنة مهمة، سيبقى عرضة للاختزال في سلطة مركزية تعاني من ثقةٍ ناقصة وتهميشٍ مناطقيّ

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى