مقالات و آراء

إسرائيل…من العزلة الوهمية إلى أحضان العرب

محمد ذياب جرادات
محامي
ونائب سابق

(ما دفعني لكتابة هذا المقال هو تصريح الرئيس الأمريكي ترامب الذي يعبر فيه عن عدم قلقه من سعي دول الاتحاد الأوروبي لعزل إسرائيل عالميا)

ترمب لا ينشغل كثيرًا بالجهود الأوروبية التي تزعم أنها تسعى لعزل حكومة إسرائيل، فهو يدرك بدهائه السياسي وخبرته في دهاليز العلاقات الدولية أن كل هذا مجرد فقاعات إعلامية لا أكثر. يعرف أن العالم حين تنتهي طبول الحرب، سرعان ما ينسى الدماء والدمار، ويعود إلى سابق عهده من التطبيع والتقبيل أمام كاميرات الإعلام.

أوروبا تصرخ اليوم وتلوّح بالعقوبات، لكنها في العمق لا تستطيع أن تستغني عن إسرائيل، لا سياسيًا ولا اقتصاديًا ولا حتى أمنيًا. هم يتظاهرون بالغضب أمام شعوبهم فقط، حتى يرضوا الضمير الجمعي الذي اهتز بمشاهد المجازر، لكنهم يعرفون أن إسرائيل في النهاية جزء من منظومتهم الغربية. وبمجرد أن تسكت اصوات المدافع، ستُفتح خطوط الطيران، وتُجدّد اتفاقيات الغاز، وتُعقد مؤتمرات السلام المزيّف.

أما العرب، فهؤلاء قصة أخرى تمامًا. العرب لا ينتظرون حتى تبرد جراح الحرب. هم يتسابقون نحو تل أبيب حتى قبل أن تجف دماء الضحايا. بعضهم يرى في حضن إسرائيل طريقًا مختصرًا إلى قلب واشنطن، وبعضهم يتوهم أن التطبيع يحميه من السقوط. وهنا المفارقة الساخرة: الأوروبيون على الأقل يمثلون الغضب، أما العرب فلا يجدون حتى حرجًا من الهرولة.

ترمب يفهم هذه العقلية جيدًا. لا يحتاج إلى ضغوطات أو خطابات كبيرة. هو يعلم أن إسرائيل مهما ارتكبت من جرائم، فإنها ستعود لتجلس في قلب الطاولة، وأن من يتسابق لاحتضانها ليس الغرب وحده، بل العرب أولًا. يعلم أن العالم العربي لا يملك ذاكرة سياسية، بل ذاكرة موسمية قصيرة المدى، تنشغل بالحرب لحظة وقوعها ثم تعود إلى الصفقات والمجاملات وكأن شيئًا لم يكن.

إسرائيل بارعة في صناعة دور الضحية بعد الحرب. تخرج إلى الإعلام لتبكي على “أمنها المهدد” و”حدودها غير المستقرة”، بينما في جيبها صكوك الغفران الأوروبية والدعم المالي الأميركي، وفي يدها الأخرى مفاتيح عواصم عربية تفتح لها الأبواب بلا شروط.

فلماذا يقلق ترمب؟ ولماذا يتعب نفسه في التفكير بعزلة إسرائيل؟ هو يعرف النتيجة مسبقًا: الحرب مرحلة عابرة، أما الهرولة نحو إسرائيل فهي قدر دائم، وأول المتسابقين دائمًا… عربٌ فقدوا البوصلة واعتادوا التصفيق للجلاد.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى