غزة… العدسة التي تفضح إنسانيتنا

بقلم: إسراء خالد بني ياسين
حين تحدثت جلالة الملكة رانيا العبدالله في مؤتمر “سيغلو المكسيك” أمام آلاف الشباب، لم تكن كلماتها عابرة، بل أشبه بصرخة ضمير عالمي. جلالتها وضعت العالم أمام مرآته، وقالت بوضوح: “غزة هي العدسة التي تفرض علينا رؤية الأمور بوضوح أخلاقي.”
لقد أصابت جلالتها كبد الحقيقة. فاليوم، وسط ركام البيوت وأصوات الأمهات المكلومات، لم يعد ممكناً أن نقيس التحضّر بحجم الناتج المحلي أو قوة الاقتصاد، بل بمدى إنسانيتنا في التعامل مع الآخر، خصوصًا في لحظات الشدة.
كأردنية، تابعت كلمتها بشيء من الفخر والامتنان. هذا الصوت الذي يخرج من قلب امرأة عربية، أم، وزوجة، وملكة، هو الصوت الذي كنا نحتاج أن يسمعه العالم. جلالتها لم تكتفِ بالحديث عن غزة كقضية سياسية، بل كشفت عن جرحها الإنساني العميق.
وصفت الأطباء المنهكين، الصحفيين الشجعان، الأطفال الجائعين… لتقول للعالم: هذا ليس خلافاً سياسياً، هذه مسألة ضمير.
أكثر ما شدني في حديثها أنها لم تحصر رسالتها بفلسطين وحدها، بل أعادت تعريف معنى القيادة والتحضر. القيادة ليست في امتلاك الثروات أو فرض النفوذ، بل في نصرة المظلوم، وإغاثة الملهوف، وإعلاء القيم الأخلاقية حتى لو خسرنا شيئاً من مصالحنا.
حين أكدت جلالتها أن الإسلام مرساها الأخلاقي، شعرت أن ما تقوله ليس مجرد خطاب رسمي، بل تجربة إيمان حيّة تعيشها. كلماتها حملت مزيجاً من القوة والرحمة، القوة التي تواجه الظلم، والرحمة التي ترفض أن يُختزل الإنسان إلى مجرد رقم في نشرات الأخبار.
اليوم، ونحن نرى العالم يتشتت بين ضجيج الروايات وادعاءات القوة، كان لا بد من صوت يذكّرنا أن الإنسانية هي البوصلة الوحيدة.
وجدت في خطاب الملكة رانيا ذلك الصوت.
لقد وقفت جلالتها في المكسيك لتقول باسمنا جميعًا: “لا يوجد عالم يمكن فيه تبرير قصف المستشفيات أو تجويع الأطفال”.
وأنا أردد خلفها: نعم، لا يوجد.
كلماتها ليست ملكها وحدها، بل هي لسان حال كل أردني وعربي يرفض الصمت أمام المأساة.
ونحن إذ نؤيدها ونقف خلفها، نعرف أن صوت الحق قد يزعج، لكنه وحده القادر على أن ينير الطريق.
فكل الاحترام لجلالتها، التي أثبتت أن القوة الحقيقية ليست في السلاح أو المال، بل في الشجاعة الأخلاقية، وفي أن نقول كفى.