مقالات و آراء

ذكرى المولد النبوي الشريف: نور يضيء دروب السلام والمحبة

مقالات – هلا نيوز اونلاين ، الدكتور احمد الهباهبه

في كل عام، ومع إشراقة ذكرى المولد النبوي الشريف، تتجدد في قلوب المسلمين حول العالم مشاعر الفرح والبهجة، وتتعالى أصوات المحبة والتقدير لسيد الخلق أجمعين، نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. إنها مناسبة عظيمة نستلهم منها أسمى معاني السلام والمحبة، ونستذكر سيرة عطرة لشخصية فذة غيرت مجرى التاريخ، وأرست دعائم حضارة قامت على قيم العدل والإحسان والرحمة.

نبي السلام والمحبة: رسالة خالدة للعالمين لم يكن النبي محمد صلى الله عليه وسلم مجرد قائد سياسي أو زعيم ديني، بل كان رسولاً يحمل رسالة عالمية عنوانها السلام والمحبة. فمنذ اللحظات الأولى لدعوته، دعا إلى نبذ العنف والفرقة، وإلى التآخي والتعاون بين البشر، بغض النظر عن ألوانهم أو أعراقهم أو معتقداتهم. لقد كان صلى الله عليه وسلم مثالاً حياً للتسامح والتعايش، فكان يعامل أعداءه بالعفو والصفح، ويدعو إلى الحوار والتفاهم بدلاً من الصراع والنزاع.

تجلت محبته للناس في كل تصرفاته وأقواله. كان رحيماً بالضعفاء، عطوفاً على الفقراء والمساكين، حنوناً على الأطفال، ومقدراً لكبار السن. لم يفرق بين أحد، فكان يجالس الجميع ويستمع إليهم، ويواسيهم في أحزانهم، ويشاركهم أفراحهم. لقد كانت رسالته دعوة صريحة إلى بناء مجتمع يقوم على أسس العدل والمساواة، حيث يسود الأمن والطمأنينة، وتزدهر المحبة والوئام.

صاحب الخلق العظيم: قدوة حسنة للبشرية

لقد وصف الله تعالى نبيه الكريم في القرآن الكريم بقوله: “وإنك لعلى خلق عظيم”. هذه الآية الكريمة تلخص جوهر شخصية النبي صلى الله عليه وسلم، الذي كان يتمتع بأسمى الأخلاق وأجل الصفات. كان صادقاً أميناً، كريماً سخياً، شجاعاً حليماً، متواضعاً زاهداً. لم يعرف الكذب أو الغدر، ولم يتصف بالبخل أو الجبن. كان قدوة حسنة في كل جوانب حياته، في تعامله مع أهله وجيرانه وأصحابه، وفي قيادته لأمته، وفي عبادته لربه.
لقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن الأخلاق هي أساس الدين، وأن الإيمان لا يكتمل إلا بحسن الخلق. فكان يحث أصحابه على التحلي بالفضائل، والتخلي عن الرذائل، وأن يكونوا قدوة حسنة للناس في أقوالهم وأفعالهم. لقد ترك لنا إرثاً عظيماً من القيم والمبادئ الأخلاقية، التي إذا تمسكنا بها، استطعنا أن نبني مجتمعات فاضلة، يسودها الخير والعدل.

جامع الأمة الإسلامية: وحدة وتآلف

قبل بزوغ فجر الإسلام، كانت الجزيرة العربية تعيش حالة من الفرقة والنزاع، حيث كانت القبائل تتصارع فيما بينها، وتسودها العصبية والجاهلية. جاء النبي محمد صلى الله عليه وسلم برسالة التوحيد، التي وحدت القلوب المتنافرة، وجمعت الشتات، وألفت بين الناس على كلمة سواء. لقد أقام دولة الإسلام على أسس من العدل والمساواة، حيث لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى.
لقد عمل النبي صلى الله عليه وسلم على بناء أمة قوية متماسكة، تقوم على مبدأ الأخوة في الدين. فكان يحرص على حل النزاعات بين المسلمين، ويدعوهم إلى التآلف والتعاون، ونبذ الخلافات. لقد كانت وحدة الأمة الإسلامية من أهم أهدافه، لأنها أساس قوتها ومنعتها. وفي ذكرى مولده، نستلهم منه أهمية الوحدة والتآلف بين المسلمين، وضرورة تجاوز الخلافات الفرعية، والتركيز على ما يجمعهم.

الرسول الصدوق: نبراس الحق واليقين

لقد عرف النبي محمد صلى الله عليه وسلم بصدقه وأمانته حتى قبل بعثته، فكان يلقب بـ”الصادق الأمين”. لم يكذب قط، ولم يخن أمانة، ولم يغدر بعهد. كانت كلماته صادقة، ووعوده حقاً، وأفعاله مطابقة لأقواله. لقد كان نبراساً للحق واليقين، فكان الناس يثقون به ويصدقونه، لأنه لم يأت إلا بالحق.
لقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن الصدق هو أساس كل فضيلة، وأن الكذب هو رأس كل رذيلة. فكان يحث أصحابه على الصدق في القول والعمل، وأن يكونوا صادقين مع الله ومع أنفسهم ومع الناس. وفي ذكرى مولده، نستذكر أهمية الصدق في حياتنا، وأن نكون صادقين في كل ما نقول ونفعل، لأن الصدق يهدي إلى البر، والبر يهدي إلى الجنة.

خاتم الأنبياء وشفيع الأمة: رحمة مهداة للعالمين

لقد أرسل الله تعالى النبي محمد صلى الله عليه وسلم خاتماً للأنبياء والمرسلين، ورسولاً للعالمين كافة. لم يأت بعده نبي، ولم تنزل بعده رسالة. لقد أكمل الله به الدين، وأتم به النعمة. وهو شفيع الأمة يوم القيامة، حيث يشفع للمؤمنين عند ربهم، ويدخلهم الجنة برحمته.
إن ذكرى مولده هي مناسبة لتجديد العهد مع رسولنا الكريم، والتمسك بسنته، والاقتداء به في أقواله وأفعاله. ففي سنته النبوية الشريفة، نجد الحلول لكل مشاكلنا، والسبيل إلى السعادة في الدنيا والآخرة. فلنجعل من هذه الذكرى محطة للتأمل في سيرته العطرة، ولنجدد العزم على السير على نهجه، لنكون من الفائزين في الدنيا والآخرة.
كل عام والأمة الإسلامية بخير.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى