الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي يستيقظ من سباته السياسي على “كابوس الجزائر”

العالم – هلا نيوز اونلاين
عاد الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي المثقل بالإدانات في قضايا الفساد، إلى التعليق على الشأن السياسي في بلاده بعد أشهر من الصمت، مطالبا في ثنايا حوار له مع جريدة “لوفيغارو”، باتخاذ إجراءات حازمة ضد الجزائر التي دأب في السنوات الأخيرة على الحديث عنها بلغة لا تخلو من الاستعلاء والوصاية.
ساركوزي الذي يقضي محكوميته بالسجن في منزله، قال إنه يصعب فهم الموقف الفرنسي تجاه الجزائر، مؤكداً أنه كان يعتبر الشؤون الخارجية من اختصاص رئيس الجمهورية، غير أن هذا المجال، على حد تعبيره، “جرى تفويضه إلى رئيس وزراء في وضعية مؤقتة من خلال رسالة ملزمة تطالب بمزيد من الحزم في التعامل مع الجزائر”، في إشارة إلى الرسالة الأخيرة التي طالب فيها ماكرون وزيره الأول باتخاذ إجراءات أكثر حزما ضد الجزائر.
وفي حديثه، انتقد ساركوزي غياب النتائج الملموسة لهذه المقاربة، مذكّراً بأن الكاتب بوعلام صنصال والصحافي كريستوف غليز ما يزالان يقبعان في السجن، وهو ما اعتبره أمراً لم يعد مقبولاً. ودعا إلى وضع حد لما وصفه بـ”الخلل”، موضحاً أن اتفاقيات 1968 (تمنح مزايا تفضيلية للمهاجرين الجزائريين) لم يعد لها أي مبرر للاستمرار، مبرزا أنه “لا توجد أي أسباب لمعاملة الجزائر معاملة أسوأ من غيرها من الدول، لكن في المقابل لم يعد هناك ما يبرر منحها امتيازات خاصة”.
وأشار إلى أن فرنسا تمنح سنوياً 250 ألف تأشيرة للجزائريين، بينما تطالب في الوقت نفسه بترحيل آلاف الخاضعين لإجراءات الطرد (OQTF) التي ترفض السلطات الجزائرية تنفيذها. وأكد أنه، وبحسب علمه، لم تستقبل الجزائر منذ يناير الماضي أيّاً من رعاياها في وضعية غير قانونية.
وحثّ المدان بتلقي رشاوى من نظام القذافي، على اعتماد نهج أكثر صرامة وجذرية في مسألة التأشيرات، مقترحاً قاعدة بسيطة تقوم على منح تأشيرة واحدة مقابل كل عملية ترحيل منفذة، أو حتى خمس أو عشر تأشيرات مقابل كل حالة، من أجل فرض مبدأ المعاملة بالمثل. وربط ذلك بشرط مسبق يتمثل في الإفراج عن الفرنسيين المعتقلين في الجزائر.
ولفت الرئيس السابق ذي التوجه اليميني، إلى أنه يسمع دعوات تدعو إلى الثقة في “حُسن نية وإنسانية” الرئيس الجزائري، لكنه اعتبر أن هذه الصفات لم تتجسد حتى الآن، مشدداً على أن الوضع لم يعد محتملاً. وطالب في الختام بأن تتعامل فرنسا مع الجزائر بقدر من الصرامة يماثل الصرامة التي تعتمدها الجزائر نفسها تجاه باريس، معتبراً أن فرنسا باتت تعطي انطباعاً مزعجاً بأنها لم تعد قادرة على فرض احترام القانون الدولي وحقوق الإنسان.
واللافت أن ساركوزي لم يسأل عن التصريحات الخطيرة لنجله الذي بدأ خطواته الأولى في الظهور السياسي، والذي قال وفق ما نقلت عنه جريدة لوموند شباط/فبراير الماضي إنه لو كان في موقع القرار، لقام بـ”حرق السفارة الجزائرية، ووقف منح التأشيرات، ورفع الضرائب الجمركية بنسبة 150%”. واعتبرت هذه التصريحات الصادمة تحريضا على العنف في فرنسا، وقوبلت بإدانات شديدة من قبل منظمات مناهضة العنصرية، كما تولت جمعيات جزائرية مهمة رفع دعوى قضائية ضد لويس ساركوزي، بتهمة التحريض على العنف بالدعوة لحرق السفارة الجزائرية.
وعرف عن ساركوزي منذ محاولته العودة للحياة السياسية بعد خسارته رئاسيات 2012، اتخاذ مواقف معادية للجزائر، حيث سبق له أن قال سنة 2016 إن “مصير الجزائر” ينبغي أن يتحدد في “الاتحاد من أجل المتوسط”، وهو ما اعتبر حينها في الجزائر تكرارا للغة الوصاية الاستعمارية القديمة. والمعروف أن الاتحاد من أجل المتوسط، هو كيان حاول إنشاءه ساركوزي في فترته وقوبل بفشل ذريع.
ومع تصاعد نبرة اليمين المعادية للوجود الجزائري في فرنسا، أطلقت النائبة الفرنسية ذات الأصول الجزائرية صبرينة صبايحي، المنتمية إلى الكتلة البيئية، نداءً للتحذير من تصاعد ما سمته بـ”الألجيرو فوبي” أو كراهية الجزائريين في فرنسا، مؤكدة أن الجزائريين وذوي الأصول الجزائرية هم الأكثر عرضة للتمييز مقارنة بجاليات أخرى.
وشددت في حديث تلفزيوني لقناة “وان تيفي” الجزائرية على أن هذه الظاهرة ليست جديدة، لكنها باتت تحمل اسماً واضحاً اليوم، موضحة أنها موجودة منذ زمن طويل. وأشارت إلى أن أبناء المهاجرين الجزائريين هم الأكثر تعرضاً للتمييز، خصوصاً في سوق العمل، مقارنة بأبناء الهجرات الأخرى في فرنسا.
وربطت النائبة صبايحي هذا الوضع بتفاقم العنصرية الموجهة ضد الجزائريين في الفترة الأخيرة، معتبرة أن هذه الممارسات تصدر أحياناً من أعلى هرم الدولة وتجد صدى واسعاً في وسائل الإعلام الفرنسية.
وفيما يخص مسألة الاندماج، نفت وجود صعوبات حقيقية في اندماج الجزائريين أو مزدوجي الجنسية المولودين في فرنسا، لكنها أكدت أن المشكل يكمن في عدم قبولهم كفرنسيين كاملين، متسائلة: “كم من الأجيال يجب أن تمر حتى يُعترف بهؤلاء المواطنين كفرنسيين بشكل كامل؟”.
وانتقدت صبايحي التمييز القائم في السياسات العمومية، سواء في مجال التوظيف أو الحصول على السكن، مشيرة إلى أن وضع الأشخاص المنحدرين من أصول واحدة أو طبقات اجتماعية متشابهة في “غيتوهات” يؤدي إلى شعور متزايد بالتهميش ويزيد من صعوبة وصولهم إلى فرص العمل والسكن اللائق.
ورغم هذا الواقع، حرصت على التأكيد أن الجالية الجزائرية في فرنسا تزخر بالكثير من قصص النجاح في صفوف الشباب من أصول مهاجرة، داعية إلى عدم اختزال مسألة الهجرة في الصورة السلبية التي تروّج لها بعض القنوات مثل “سي نيوز” و”بي إف إم تي في”، والتي تحاول تقديمها على أنها مشكلة فرنسا الأساسية.