“عيب وإهانة”.. تمثال نجيب محفوظ يثير أزمة جديدة في مصر

عادت أزمة تمثال عميد الرواية العربية نجيب محفوظ لتطل برأسها مرة أخرى في الذكرى الـ 19 لرحيله في عام 2006، حيث عبّر كثير من المثقفين والنشطاء والشخصيات العامة على مدار الأيام القليلة الماضية عن غضبهم مما اعتبروه “عيبا” و”إهانة” بحق الأديب العربي الوحيد الحائز على جائزة نوبل.
بدا التمثال الموجود في ميدان “سفنكس” بحي “المهندسين” بالقاهرة مختفيا تماما وسط عدد ضخم من اللوحات الإعلانية “القبيحة”، على حد تعبير كثيرين، والتي طغت على فكرة تكريم محفوظ تحت ضغط اللهاث وراء الربح التجاري، الذي عاش الكاتب نفسه يحارب خضوعنا كأفراد ومجتمعات له.
وكان من أبرز من انتقد هذا الوضع الصادم رجل الأعمال المعروف نجيب ساويرس الذي كتب محذرا عبر حسابه على موقع “إكس”: “كارثة وتوغل… لوحات إعلانية تحاصر تمثال نجيب محفوظ في ميدان سفنكس”.
وناشد الفنان صبري فواز المسؤولين بإعادة التمثال إلى المكان الأصلي الذي سبق أن اختاره مصممه الفنان التشكيلي والنحات سيد عبده سليم على كورنيش النيل في حي “العجوزة” حيث عاش محفوظ معظم سنوات حياته حتى الرحيل.
وتعود قصة التمثال إلى عام 2001 حين انبثقت فكرة تكريم “صاحب الثلاثية” بمناسبة بلوغه التسعين عاما، حيث تشكلت لجنة تضم الكاتب محمد سلماوي المقرب من الأديب العالمي وكاتم أسراره، ونجلتيه أم كلثوم وفاطمة محفوظ ومحافظ الجيزة في ذلك التوقيت.
وفجر التمثال العديد من الأزمات منذ ظهوره عام 2002 ، أي قبل رحيل محفوظ بأربع سنوات، حيث بدا “شديد الضآلة” من حيث الحجم ولا يعكس فكرة العظمة والعبقرية التي تنطوي عليها تجربة أديب نوبل.
وكانت فكرة النحات سيد عبده سليم، مصمم التمثال، أن توضع المنحوتة في المكان نفسه الذي اعتاد محفوظ أن يسير فيه على رصيف الكورنيش بحي “العجوزة” كل يوم وهو مكان مفتوح وسهل الإحاطة به من جانب المارة والجماهير.
أصر محافظ الجيزة آنذاك على وضع التمثال في ميدان “سفنكس” وأن يبلغ ارتفاع قاعدته 9 أمتار بدعوى أن تكون رؤيته متاحة للجميع، ما عزّز فكرة الحجم الضئيل للتمثال.
تم نحت التمثال من البرونز وهو يصور محفوظ يسير في طريقه من منزله إلى مقاهي منطقة “وسط البلد” متكئا على عصاه، حاملا حزمة من الصحف، بحسب عادته الصباحية الشهيرة.
سخرية مريرة
وفجر نجيب محفوظ نفسه في هذا التوقيت مفاجأة من العيار الثقيل، حين سُئل عن رأيه في التمثال، فأجاب بعفويته الشهيرة وسخريته اللاذعة: “يبدو أن مصمم التمثال لم يقرأ من رواياتي سوى الشحاذ”.
ورغم أن التعليق جاء في سياق مداعبة، إلا أنه يعكس مدى المرارة التي شعر بها محفوظ وهو يرى تمثاله الأول يبدو بائسا، مهمشا، ضئيلا، وكأنه شحاذ يتسول رضا المارة.
كما تجددت مشكلات التمثال بسبب شكوى كثير من الأدباء والناشطين من عدم الاعتناء به أو غسله ليصبح مكسوا بالغبار في منظر غير لائق، فضلا عن طبيعة الميدان نفسه الذي يتميز بالضجيج وكثرة الجسور في تلك المنطقة.
ومن الحلول المطروحة من جانب مثقفين ونشطاء لحل الأزمة، إزالة التمثال من موضعه الحالي ونقله إلى متحف نجيب محفوظ الذي ظهر للوجود 2019 في حي “الجمالية” الشعبي الذي شهد مولده، مع عمل تمثال جديد بمواصفات عالمية تليق بأديب عالمي.
وتظل في النهاية أزمة تمثال نجيب محفوظ بحاجة ماسة إلى تدخل يتسم بالحكمة والسرعة تتضافر فيه جهود الجهات المعنية كافة مثل وزارة الثقافة و”الجهاز القومي للتنسيق الحضاري” ومحافظة الجيزة وحي “العجوزة”، من أجل إعادة البريق لفكرة تكريم عميد الرواية العربية.