مقالات واراء – هلا نيوز اونلاين
الدكتور احمد الهباهبه
تُعد مشكلة الكلاب الضالة والمسعورة من التحديات الكبرى التي تواجه العديد من المجتمعات حول العالم، لما لها من تأثير مباشر على سلامة وصحة المواطنين. ففي ساعات الصباح الباكر وفي الليالي الظلماء، تتجول هذه الكلاب بحرية، مما يثير مخاوف كبيرة لدى الطلاب والمشاة. ورغم أن المطالبات لا تدعو إلى قتل هذه الكلاب، بل إلى حمايتها والمحافظة على حياتها، إلا أن الحاجة الملحة لحماية أبنائنا وبناتنا وكبارنا من هجماتها الشرسة باتت أمراً لا يمكن تجاهله.
أرقام مقلقة تتطلب وقفة
إن الأرقام والإحصائيات المتعلقة بحالات عقر الكلاب تعكس حجم المشكلة وتؤكد ضرورة التعامل معها بجدية. فوفقاً لآخر الإحصائيات، ومنذ بداية العام وحتى تاريخه، تم تسجيل ما يقارب 5600 حالة عقر من الكلاب. هذا الرقم ليس مجرد إحصائية عابرة، بل هو مؤشر خطير يتطلب التوقف والتمعن فيه، وليس المرور عليه مرور الكرام. هذه الحالات لا تقتصر على الإصابات الجسدية فحسب، بل تمتد لتشمل الآثار النفسية والخوف الذي يتركه هذا الخطر في نفوس الأفراد، خاصة الأطفال.
مخاطر الكلاب الضالة والمسعورة
تكمن خطورة الكلاب الضالة في عدة جوانب:
•داء الكلب (السعار): وهو مرض فيروسي خطير ينتقل عن طريق العقر، ويصيب الجهاز العصبي المركزي، وغالباً ما يكون مميتاً إذا لم يتم التعامل معه فوراً.
•الإصابات الجسدية: تتسبب عضات الكلاب في جروح قد تكون عميقة وتتطلب علاجاً طبياً، وقد تؤدي إلى مضاعفات خطيرة إذا لم يتم تطهيرها ومعالجتها بشكل صحيح.
•الخوف والهلع: وجود الكلاب الضالة، خاصة في مجموعات، يثير الخوف والهلع لدى المارة، مما يؤثر على حياتهم اليومية وحريتهم في التنقل.
حلول إنسانية ومستدامة
إن التعامل مع هذه المشكلة يتطلب نهجاً متوازناً يراعي حقوق الحيوان وسلامة الإنسان في آن واحد. ومن أبرز الحلول الإنسانية والمستدامة المقترحة:
1. برامج التعقيم والتطعيم (TNR – Trap-Neuter-Return)
يعتبر برنامج الإمساك والتعقيم والإعادة (TNR) من أنجح الحلول المتبعة عالمياً للسيطرة على أعداد الكلاب الضالة. يقوم هذا البرنامج على:
•الإمساك: يتم الإمساك بالكلاب الضالة بطرق آمنة وإنسانية.
•التعقيم: يتم تعقيم الكلاب لمنع تكاثرها العشوائي، مما يساهم في تقليل أعدادها على المدى الطويل.
•التطعيم: يتم تطعيم الكلاب ضد داء الكلب والأمراض الأخرى، مما يحد من انتشار الأمراض بينها وبين البشر.
•الإعادة: بعد التعقيم والتطعيم، يتم إعادة الكلاب إلى بيئتها الأصلية، مع وضع علامة مميزة عليها (مثل قص جزء من الأذن) لتمييزها.
2. إنشاء مآوٍ آمنة ومراكز رعاية
يمكن إنشاء مآوٍ ومراكز رعاية للكلاب الضالة التي لا يمكن إعادتها إلى بيئتها، أو التي تحتاج إلى رعاية خاصة. هذه المراكز توفر بيئة آمنة للكلاب وتساهم في تأهيلها للتبني.
3. التوعية المجتمعية
يجب تعزيز الوعي المجتمعي حول كيفية التعامل مع الكلاب الضالة، وأهمية عدم إلقاء الطعام في الشوارع بشكل عشوائي، وتشجيع التبني المسؤول للحيوانات الأليفة.
4. تشديد الرقابة وتطبيق القوانين
يجب على الجهات المعنية تشديد الرقابة على أصحاب الحيوانات الأليفة لضمان عدم التخلي عنها، وتطبيق القوانين التي تضمن رعاية الحيوانات وتمنع انتشارها بشكل عشوائي.
إن مشكلة الكلاب الضالة والمسعورة تتطلب تضافر الجهود من جميع الأطراف: الحكومات، منظمات حماية الحيوان، والمجتمع المدني. فمن خلال تبني حلول إنسانية ومستدامة مثل برامج التعقيم والتطعيم، وإنشاء المآوي، وتعزيز الوعي، يمكننا حماية أبنائنا ومجتمعاتنا، وفي الوقت نفسه، الحفاظ على حياة هذه الكائنات والتعامل معها بمسؤولية وإنسانية. إن الرقم 5600 حالة عقر هو جرس إنذار يدعونا للتحرك الفوري والفعال لإيجاد حلول جذرية لهذه المشكلة.
