استراتيجية الإمارات لـ«البلوكتشين» توفر 3 مليارات دولار سنوياً

في وقت تتسارع فيه خطى العالم نحو التحول الرقمي، تبرز الدول العربية كلاعب محتمل في هذا السباق، وسط تحديات كبيرة وفرص هائلة.
وبين تفاوت البنى التحتية وتنامي الوعي الرسمي، يؤكد علي محمد الخوري مستشار مجلس الوحدة الاقتصادية العربية رئيس الاتحاد العربي للاقتصاد الرقمي أن المنطقة تقف أمام لحظة فارقة، يمكن أن تُترجم إلى طفرة اقتصادية غير مسبوقة.
و كشف خوري أن الاقتصاد الرقمي العربي مرشح لبلوغ 900 مليار دولار بحلول عام 2030 ما يعادل 15% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بـ4% حالياً، مشدداً على أن هذا النمو مرهون بإنشاء سوق رقمية عربية موحدة، وتضييق فجوة المهارات، وتسريع وتيرة التشريعات.
وقال إن زيادة انتشار خدمات الإنترنت فائق السرعة بنسبة 10% قد ترفع الناتج المحلي للفرد بنسبة 0.71%، ما يعادل نحو 24 مليار دولار سنوياً، باحتساب عدد سكان المنطقة البالغ 456 مليون نسمة.
كما أشار إلى أن قطاع التجارة الإلكترونية في الشرق الأوسط وأفريقيا يُتوقع أن يصل إلى 264 مليار دولار بحلول 2029 مقابل 135 ملياراً حالياً، و76 ملياراً في الخليج وحده.
وأكد خوري أن التحول الرقمي سيحسن كفاءة الخدمات الحكومية ويخفض الإنفاق، مستشهداً باستراتيجية الإمارات لـ «البلوكتشين» التي قد توفر 3 مليارات دولار سنوياً.
ولفت إلى أن إنشاء سوق رقمية عربية مشتركة يمكن أن يعالج تدني التجارة البينية العربية التي لا تتجاوز 10%، مقارنة بـ66% في الاتحاد الأوروبي، ويعزز من التوسع الإنتاجي عبر تحفيز قطاعات الزراعة والصناعة.
وأضاف أن السوق الرقمية المشتركة قادرة على جذب جزء من أكثر من 1.5 تريليون دولار مستثمرة عربياً في الخارج، عبر منصات رقمية تسهل الوصول إلى قاعدة استهلاكية ضخمة.
وحذّر من فجوة مهارية تهدد 127 مليون شاب عربي بحلول 2040، حيث لا يمتلك أكثر من 35% من الشبان المهارات الرقمية المتقدمة، في وقت لا تتجاوز نسبة خريجي تكنولوجيا المعلومات 13% من إجمالي الخريجين.
وذكر خوري أن الاقتصاد الرقمي في العالم العربي يشهد تقدماً متفاوتاً بين دولة وأخرى، مشيراً إلى أن بعض الدول مثل الإمارات والسعودية ومصر أحرزت تقدماً كبيراً في استراتيجيات التحول الرقمي، من خلال خطط وطنية واضحة تهدف إلى رقمنة الاقتصاد والخدمات.
وأضاف أن دولاً عربية أخرى لا تزال تواجه تحديات كبيرة تتعلق بالبنية التحتية والموارد البشرية والبيئة التشريعية، رغم تزايد الوعي في معظم العواصم العربية بأهمية التحول الرقمي كأداة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وأكد أن السير في الاتجاه الصحيح نحو اقتصاد رقمي متكامل يتطلب تنسيقاً إقليمياً، واستثماراً أكبر في رأس المال البشري، إلى جانب تحديث السياسات الرقمية بشكل شامل.
وقال خوري إن غياب البنية الرقمية المشتركة يؤدي إلى خسائر اقتصادية غير مباشرة، تتمثل في تكرار الجهود، وفقدان وفورات الحجم، وضعف التبادل التجاري الرقمي.
وأكد خوري أن تأسيس سوق رقمية عربية موحدة لم يعد خياراً، بل بات ضرورة استراتيجية، نظراً للتحولات المتسارعة نحو الاقتصاد الرقمي.
وأشار إلى أن هذه السوق من شأنها تعزيز التجارة الإلكترونية، وتحفيز الابتكار، وتوفير فرص عمل جديدة، إلى جانب تعزيز مكانة الدول العربية في المحافل الرقمية الدولية.
واقترح تجاوز التفاوت الرقمي بين الدول العربية من خلال آليات تعاون ذكية تشمل نقل الخبرات، وتوفير التمويل، وتبني مشروعات إقليمية في البنية التحتية والابتكار والتعليم الرقمي.
وأضاف أن المؤسسات الإقليمية يمكنها وضع معايير موحدة وتقديم الدعم الفني والتقني للدول الأعضاء.
وتحدث خوري عن تجارب الصين والهند في التحول الرقمي، موضحاً أن الصين ركزت على تطوير البنية التحتية الرقمية ودعم الابتكار والتمويل الواسع للشركات الناشئة، فيما أطلقت الهند مبادرة الهوية الرقمية (Aadhaar) التي حسّنت من الشمول المالي والاجتماعي.
وأوضح أن الدول العربية يمكنها الاستفادة من هذه النماذج عبر تبني استراتيجيات وطنية واضحة، والاستثمار في البحث والتطوير، ودعم ريادة الأعمال الرقمية، وتسهيل الوصول إلى الإنترنت، مع تطوير حلول رقمية محلية تتناسب مع السياق العربي.
وقال خوري إن الاقتصاد الرقمي أثبت فعاليته في مواجهة الأزمات، لافتاً إلى دور الرقمنة في استمرار تقديم الخدمات خلال جائحة كورونا.
وأضاف أن التحول الرقمي يسهم في تعزيز الشفافية، ومحاربة الفساد، وتحسين كفاءة الإنفاق العام، كما يفتح آفاقاً جديدة للتوظيف من خلال الاقتصاد التشاركي والمنصات الرقمية.
وشدد على ضرورة التعامل مع الرقمنة كخيار استراتيجي طويل الأمد وليس مجرد أداة تقنية مؤقتة.
أكد خوري أن تعزيز التكامل الرقمي العربي يحقق فوائد كبيرة، من بينها زيادة التجارة البينية، وتحفيز الاستثمار، وتوسيع السوق أمام الشركات الناشئة.
وأشار إلى أن هذا التكامل يعزز من التنسيق السياسي، ويخلق بيئة جاذبة للشركات العالمية، ويقلل من تكاليف التحول الرقمي من خلال تبادل الخبرات وتنسيق السياسات.
وأوضح خوري أن الشبان العرب يمثلون المحرك الأساسي لعملية التحول الرقمي، لما يمتلكه من قدرة على التفاعل مع التكنولوجيا وابتكار الحلول.
وأكد أن العديد من الشركات الناشئة العربية أُسست على يد شبان نجحوا في معالجة تحديات محلية وإقليمية.
وشدد على ضرورة توفير تعليم نوعي يركز على المهارات الرقمية، مع بيئة تشريعية حاضنة، وفرص تمويل، ومساحات عمل تفاعلية، إضافة إلى إشراك الشبان في صناعة القرار الرقمي على المستوى الوطني والإقليمي.