منوعات

عنوان خطبة الجمعة الموافق 22-08-2025م . ( المتوكلون والتوكل )

الْحَمْدَ لِلَّهِ الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، نحمده ونستعينه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادة حق تنجينا من عذاب أليم ، عليها نحيا وعليها نموت ، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله ، أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح الأمة وكشف الغمة ، وجاهد في الله حق جهاده وترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ، اللهم صلّ على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .

عباد الله : اعلموا أن القرآن الكريم ذكرَ فئات يحبهم الله سبحانه وتعالى، ومنهم المتوكلون، يقول الله عز وجل: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ آل عمران: 159، فالتوكل على الله خُلقٌ عظيم، يجب على المسلم أن يتخلق به، فإن من توكل على الله كفاه وأغناه وتولاه، يقول الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ الطلاق:3، وقد أمر الله تعالى عباده بالتوكل عليه ورغبهم فيه بقوله: ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ آل عمران: 122.
والسرّ في محبة الله تعالى للمتوكلين، هو أن التوكل على الله تعالى من ثمرات صدق التوحيد وثباته في القلب واستيلائه عليه، يقول الله تعالى: ﴿رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا﴾ المزمل:9، فبدأ سبحانه وتعالى بإثبات ربوبيته، ثم بإثبات الانفراد بالإلهية ثم أمرنا بالتوكل عليه جل وعلا، قال سعيد بن جبير رضي الله عنه: “التوكل على الله جماع الإيمان”.
ومعنى التوكل: هو يقين القلب بأن الأمور كلها بيد الله تعالى، وأنه لا ضار ولا نافع ولا معطي ولا مانع غير الله، ثم طمأنينة القلب وسكونه إلى وعد الله وضمانه، وأن الخلق لو اجتمعوا كلهم على أن ينفعوه بشيء لا ينفعونه إلا بشيء قد كتبه الله له أو على أن يضروه بشيءٍ لم يضروه إلا بشيء قد كتبه الله عليه، فلا يتزلزل المؤمن عند وقوع الشدائد، ولا يفزع في الفاقات والملمات.
وللمتوكل الصادق علامات يعرف نفسه بها:
الأولى: أن لا يرجو غير الله ولا يخاف إلا الله علماً منه أن ما أخطأه لم يكن ليصيبه وما أصابه ما كان ليخطئه، قال رسول الله ﷺ: « احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ» سنن الترمذي.
والثانية: أن لا يدخل قلبه همُّ الرزق ثقةً بضمان الله بحيث يكون سكون قلبه عند فقد ما يحتاج إليه كسكونه في حال وجوده، يقول الله تعالى: ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ، فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ﴾ الذاريات: 22-23، وقال رسول الله ﷺ: “لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ؛ لَرُزِقْتُمْ كَمَا تُرْزَقُ الطَّيْرُ، تَغْدُو خِمَاصًا، وَتَرُوحُ بِطَانًا” رواه الترمذي.
واعلموا عباد الله: أن التوكل على الله لا ينافي الأخذ بالأسباب وهي إما دينية مثل العلوم النافعة، والأعمال الصالحة التي يتقرب العبد بها إلى الله تعالى، وإما دنيوية كتعلم الحرف والصناعات وسائر الأسباب لتحصيل المعاش، والله تعالى أمر بالأخذ بالأسباب مع أمره بالتوكل، فالسعي في الأسباب بالجوارح طاعة له، والتوكل بالقلب عليه إيمان به، كما يقول الله تعالى: ﴿‌وَأَعِدُّوا ‌لَهُمْ ‌مَا ‌اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ﴾ الأنفال: 60، ويقول: ﴿‌فَإِذَا ‌قُضِيَتِ ‌الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ﴾ الجمعة: 10. وقد قال رجُلٌ لِلنَّبيِّ -ﷺ-: أُرسِلُ ناقتي وأتوكَّلُ؟، قال: اعقِلْها وتوكَّلْ” أخرجه الترمذي، أيْ: شُدَّ رُكْبةَ ناقتِك مع ذِراعَيْها بحَبْلٍ.
فلا يجوز للإنسان أن يترك التسبب بهذه الأسباب إلا إن كان عاجزاً، ويحرم على الإنسان أن يقعد عن الاكتساب الذي يقدر عليه ويحتاج إليه، ويترك نفسه وعياله ضياعاً يسألون الناس، وقد قال رسول الله ﷺ: «كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت» سنن أبي داود.
وأما ثمرات التوكل على الله تعالى فكثيرة، منها:
أولاً: المتوكلون على الله ينالون محبة الله سبحانه وتعالى، يقول الله عز وجل: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾آل عمران: 159.
ثانياً: حِفْظُ النَّفْسِ والأهلِ والولد والتحصين من الشيطان: يقول الله تعالى: ﴿إنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ المجادلة:10، قال رسول الله ﷺ: ” مَنْ قَالَ – يَعْنِي – إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ: بِسْمِ اللَّهِ، تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، يُقَالُ لَهُ: كُفِيتَ، وَوُقِيتَ، وَتَنَحَّى عَنْهُ الشَّيْطَانُ “سنن الترمذي.
ثالثاً: النصر على الأعداء، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عن قال: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ، «قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ ﷺ» حِينَ قَالُوا: ﴿إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا، وَقَالُوا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ﴾ آل عمران: 173.
رابعاً: حصول الرزق من الله سبحانه وتعالى، قال رسول الله ﷺ: “لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ؛ لَرُزِقْتُمْ كَمَا تُرْزَقُ الطَّيْرُ، تَغْدُو خِمَاصًا، وَتَرُوحُ بِطَانًا” رواه الترمذي.
خامساً: دخول الجنة بغير حساب ولا سابقة عذاب، قال رسول الله ﷺ: «يَدْخُلُ الجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ، هُمُ الَّذِينَ لاَ يَسْتَرْقُونَ، وَلاَ يَتَطَيَّرُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ» متفق عليه.
اللهم إنا نتوجه إليك في غزة والضفة وأهل فلسطين أن تنصرهم على عدوك وعدوهم يا رب العالمين. اللهم ارحم شهداءهم وتقبلهم في الصالحين. وخصَّ برحمتك أولئك الذين قضوا تحت الأنقاض ولم يتمكن أحد من الوصول إليهم أو العثور عليهم من حجم الدمار وتطاير الأشلاء. اللهم وأنزل عليهم السكينة والطمأنينة، وشافِ الجرحى والمصابين والمكلومين منهم. وخفف عنهم واربط على قلوبهم يا رب.

الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ آل عمران:102.

واعلموا عباد الله أن الله قد أمركم بأمر عظيم بدأ به بنفسه وثنى بملائكة قدسه، فيقول الله تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ سورة الأحزاب: الآية 56. عن أُبي بن كعب رضي الله عنه: “أنّ من واظبَ عليها يكفي همه ويُغفر ذنبه”. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنّ رسول الله ﷺ قال: “مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا”. وصلاة الله على المؤمن تخرجه من الظلمات إلى النور. يقول الله تعالى:﴿ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۚ﴾ سورة الأحزاب: الآية43. وهذا يتطلب التخلق بأخلاقه ﷺ والاقتداء بسنته في البأساء والضراء وحين البأس.

واعلموا أن من دعا بدعاء سيدنا يونس عليه السلام: ﴿ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ استجاب الله له. ومن قالها أربعين مرة فإن كان في مرض فمات منه فهو شهيد وإن برأ برأ وغفر له جميع ذنوبه. ومن قال: “سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة، حُطَّتْ خطاياه وإن كانت مثل زَبَد البحر”. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي المِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ اللَّهِ العَظِيمِ، سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ” متفق عليه.

وفي المصائب والكرب والشدة أوصى الرسول ﷺ بدعاء الكرب وهو: (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيم) رَوَاه الْبُخَارِيّ. فندعو به في شدائدنا وشدائد أهل غزة وفلسطين. واعلموا أن هذا الدعاء يناجي الله تعالى في اسمه العظيم تذللاً لعظمة الله، والحليم رجاءً لحِلم الله، وربّ السماوات والأرض ربّ العرش العظيم يقيناً بأن الأمر كله بيد الله. وأكثروا عند تكالب الأعداء علينا من قول “حسبنا الله ونعم الوكيل”، لأنّ الله تعالى يقول: ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾ آل عمران:173-174.

سائلين الله تعالى أن يحفظ الملك عبد الله الثاني ابن الحسين وولي عهده الأمين الحسين بن عبد الله، وأن يوفقهما لما فيه خير البلاد والعباد ، إنه قريب مجيب.

يقول الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ النحل: 90. ويقول الله عز وجل: ﴿‌وَأَقِمِ ‌ٱلصَّلَوٰةَ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ تَنهَىٰ عَنِ ٱلفَحشَاءِ وَٱلمُنكَرِ وَلَذِكرُ ٱللَّهِ أَكبَرُ وَٱللَّهُ يَعلَمُ مَا تَصنَعُونَ﴾ العنكبوت: 45.
والحمد لله ربّ العالمين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى