خدمة العلم.. مشروع وطني لصناعة جيل واثق ومؤهل

د. أحمد الهباهبه
إعادة تفعيل خدمة العلم بصيغتها الجديدة تمثل خطوة راسخة نحو الاستثمار الحقيقي في طاقات الشباب الأردني، وتؤكد أن الدولة تنظر إلى الأجيال الصاعدة باعتبارها الركيزة الأساسية لبناء المستقبل وتعزيز مناعة المجتمع. البرنامج كما جرى الإعلان عنه لا يقف عند حدود التدريب العسكري فحسب، وإنما يتجاوز ذلك إلى بناء شخصية متكاملة للشاب الأردني، قادرة على الجمع بين الانضباط والوعي والثقافة والمسؤولية.
اللقاء الذي عقده سمو ولي العهد مع الشباب، وما حمله من رسائل، يعكس بوضوح إيمان القيادة بقدرة هذه الفئة الأكبر في المجتمع على قيادة التغيير والمشاركة الفاعلة في صياغة المستقبل. التوجيهات الملكية، ومتابعة رئيس الوزراء، وجهود القوات المسلحة والمؤسسات الحكومية، جميعها تؤكد أن خدمة العلم ليست قراراً عابراً، وإنما مشروع وطني مدروس يهدف إلى إحداث أثر طويل المدى.
القيمة المضافة في هذا البرنامج تكمن في المزج بين المسارين العسكري والمعرفي، إذ يكتسب الشاب إلى جانب التدريب البدني والمهاري رصيداً معرفياً متنوعاً في مجالات الاقتصاد والثقافة والمجتمع. هذه المقاربة تضمن أن يتخرج المكلف من الخدمة أكثر وعياً وإدراكاً لمسؤولياته الوطنية والاجتماعية، وأكثر استعداداً للإسهام في التنمية والإنتاج.
التفاصيل التي أعلنها المسؤولون تبعث على الاطمئنان، سواء في ما يتعلق بعدالة اختيار المكلفين وفق منهجية إحصائية محايدة تراعي التوزيع الجغرافي بين المحافظات، أو في ما يخص توفير الظروف المعيشية والصحية واللوجستية داخل المعسكرات. كما أن المخصص المالي الممنوح لكل مكلف يعكس إدراك الحكومة لأهمية تقدير جهد الشباب ودعمهم خلال فترة الخدمة.
البرنامج بما يتضمنه من مراحل متدرجة واستيعاب تدريجي لأعداد أكبر من الشباب، يفتح الباب أمام بناء جيل جديد يتقن قيم الانضباط والمثابرة وروح الفريق، ويعتز بانتمائه لتاريخ الجيش العربي وقيمه المشرفة. هذه المبادئ، إذا جرى غرسها في نفوس الشباب، ستشكل حصناً حقيقياً يحمي الوطن من التحديات الداخلية والخارجية، ويمنحه قوة بشرية مؤهلة وواعية.
من المهم النظر إلى خدمة العلم بوصفها فرصة ذهبية للشباب وليست عبئاً عليهم، فهي تتيح لهم تطوير الذات واكتساب مهارات حياتية، إلى جانب حصولهم على اعتماد أكاديمي يضيف إلى رصيدهم الجامعي. كما أن المرونة في آليات التنفيذ، بما في ذلك مراعاة ظروف الطلبة والعاملين، تمنح البرنامج صفة العصرية والتكيف مع الواقع.
المكاسب المتوقعة من هذه التجربة لا تقاس بالأرقام وحدها، بل بالتحول الذي سيشهده المجتمع مع بروز جيل من الشباب يثق بنفسه ويؤمن بقدرة دولته عليه، ويجسد قيم الانتماء والمواطنة الفاعلة. نجاح البرنامج سيكون بداية لمسار طويل من البناء، عنوانه الرئيس أن الشباب الأردني هو الأمل والضمانة وصانع الغد الأفضل.