اقتصاد

الأجور في لبنان بين “خطوة حكومية محدودة” وضغط الاتحاد العمالي

في وقت أعلنت فيه الحكومة اللبنانية بدء صرف 12 مليون ليرة شهرياً لكل متقاعد في القطاع العام ضمن موازنة 2025، يصف الاتحاد العمالي العام هذا القرار بأنه «خطوة محدودة» جاءت بعد ضغوط متكررة، ولا تواكب الظروف المعيشية التي يعيشها مئات الآلاف من الموظفين والعاملين.

فهذا المبلغ، الذي يعادل نحو 134 دولاراً بحسب سعر الصرف الرسمي، لا يكفي لتغطية الحاجات الأساسية لأي أسرة، وفق ما يؤكده رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر،وتأتي هذه الخطوة وسط أزمة اقتصادية غير مسبوقة في لبنان، تسببت في انهيار قيمة الليرة مقابل الدولار، وارتفاع أسعار السلع والخدمات بشكل كبير، مما دفع ملايين اللبنانيين إلى مواجهة تحديات كبيرة في تأمين مستلزمات حياتهم اليومية. ويقول الأسمر إن «المساعدات المقدمة لا تعكس حجم الأزمة، فهي مجرد دعم محدود لا يشكل جزءاً من الراتب الأساسي ولا ينعكس على تعويضات نهاية الخدمة».

شدد الأسمر على أن الحد الأدنى المقبول للأجور في لبنان اليوم يجب أن يبلغ ألف دولار شهرياً على الأقل، معتبراً أن جميع المقترحات التي تدور حول أرقام أقل من ذلك هي «هزيلة» ولا تواكب موجة الغلاء المتصاعدة. وأضاف أن هذا الرقم ليس مبالغة، بل هو الحد الأدنى الذي يضمن للعمال والعاملين القدرة على تغطية تكاليف السكن، التعليم، الغذاء، الصحة، والاتصالات، التي ارتفعت بشكل كبير خلال السنوات الماضية.

أما بالنسبة للقطاع العام، فقد كشف الأسمر عن مشروع يُناقش حالياً مع مجلس الخدمة المدنية، يهدف إلى إعادة رواتب موظفي الدولة إلى ما كانت عليه قبل الأزمة الاقتصادية في 2019، عبر دمج المساعدات المالية ضمن الراتب الأساسي ورفع قيمته بنسبة 80%. لكنه أقرّ بأن تنفيذ هذا المشروع سيستغرق وقتاً طويلاً، قد يمتد لسنوات، بسبب ضعف الموارد المالية والعجز الكبير الذي تعانيه خزينة الدولة.

أما القطاع الخاص، فرغم بعض مؤشرات التعافي الجزئي التي شهدها بعد أزمات متعددة منذ عام 2019، لا يزال يعاني من تبعات كارثية. ويشير الأسمر إلى أن انفجار مرفأ بيروت، جائحة كورونا، الأزمات السياسية المتلاحقة، والحرب الإسرائيلية الأخيرة، كلها عوامل أثرت سلباً على النشاط الاقتصادي وسببت ركوداً واسعاً. وأوضح أن الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص يبلغ حالياً 28 مليون ليرة (ما يعادل حوالي 313 دولاراً)، وهو مبلغ يعتبره ضئيلاً جداً مقارنة بالتكاليف الحقيقية للحياة اليومية في لبنان.

ويذكر الأسمر أن أصحاب العمل يرفضون رفع الحد الأدنى للأجور بحجة الأعباء المالية التي ستتحملها الشركات، معربين عن اعتقادهم أن مثل هذه الزيادات ممكنة فقط في مناطق مثل بيروت وجبل لبنان التي تشهد نشاطاً اقتصادياً أكبر، بينما المناطق الأخرى مثل الجنوب، البقاع، والشمال تعاني من ركود اقتصادي وغياب فرص العمل.

وفي هذا السياق، قرر الاتحاد العمالي العام الانسحاب من المفاوضات الثلاثية التي عقدتها وزارة العمل مع أصحاب العمل، احتجاجاً على اعتماد أرقام لا تلبي الحد الأدنى من متطلبات العيش الكريم، بحسب الأسمر. وأكد أن «تحديد الأجور يجب أن يستند إلى تكاليف الحياة الحقيقية، التي تشمل السكن، التعليم، الرعاية الصحية، النقل، والاتصالات، وليس مجرد أرقام شكلية لا تعكس الواقع».

وتطرق الأسمر إلى موضوع تعويضات نهاية الخدمة في القطاع العام، مؤكداً أن هذه التعويضات باتت شبه رمزية، حيث لا تتجاوز في معظم الحالات 1000 إلى 5000 دولار حتى في الرتب العليا كمدير عام أو عميد في الجيش. وقال إن هذا الواقع يضعف الحوافز للعمل في القطاع العام، ويزيد من معدلات الفقر بين المتقاعدين، الذين يعتمدون على هذه التعويضات كمصدر دعم أساسي.

وتابع الأسمر أن الوضع المعيشي الصعب دفع بعض الموظفين إلى اللجوء إلى ممارسات غير قانونية، مثل الرشوة، كوسيلة للبقاء على قيد الحياة، في ظل غياب حلول واضحة ومستدامة من قبل الجهات الحكومية. وأشار إلى أن هذا الأمر يعكس حجم الأزمة التي تعصف بالقطاعين العام والخاص على حد سواء.

رغم ذلك، أبدى الأسمر بعض التفاؤل بالحوار الجاري بين الاتحاد والحكومة، مشيراً إلى أن نائب رئيس مجلس الوزراء طارق متري كُلّف بمتابعة ملف دراسة الرواتب، وأن الاتحاد مستمر في اتصالاته مع الجهات المعنية لشرح الواقع الاقتصادي والاجتماعي الصعب، والدفع نحو خطوات إصلاحية عادلة ومستدامة.

وختم بالقول إن تحقيق أي تحسن ملموس في أوضاع العاملين والمتقاعدين لن يكون ممكناً إلا عبر استقرار سياسي وطني حقيقي، يعيد الثقة إلى المؤسسات ويحفز الاقتصاد على التعافي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى