مقالات و آراء

الأردن الصامد: حينما تكون الثوابت الوطنية هي الرد الأقوى على أوهام الخرائط الجديدة

مقالات واراء – هلا نيوز اونلاين 

الدكتور احمد الهباهبه

الاردن دائماً اولا ولن نسمح بالعبث بمقدرات البلد واراضيها ، نحن تحت الراية الهاشمية وبكل فخر.

في خضم منطقة تموج بالصراعات وتتلاطم فيها أمواج التصريحات المتطرفة، يقف الأردن كعادته، شامخًا وثابتًا، متسلحًا بإرث من الحكمة السياسية ووحدة وطنية صلبة. فالتصريحات التي تخرج بين الفينة والأخرى من أروقة السياسة الإسرائيلية الأكثر تطرفًا، والتي تلوّح بخرائط وهمية لـ “إسرائيل الكبرى” أو تهدد بتغيير جغرافيا المنطقة، لا تجد في عمان صدى للقلق، بل تجد جدارًا من الرفض القاطع والاستنكار الحازم.
إن هذه التهديدات، التي وصفها مواطنون أردنيون بـ “حجة الضعيف الجبان”، ليست مجرد زلات لسان عابرة، بل هي تعبير عن أيديولوجيا توسعية متطرفة تسعى لفرض واقع جديد يقوض كل أسس السلام والاستقرار في الشرق الأوسط. لكن هذه الأيديولوجيا تصطدم بحقيقة تاريخية وجغرافية وسياسية راسخة اسمها المملكة الأردنية الهاشمية.
لا ينجر الأردن إلى مربع ردود الفعل المتشنجة، بل يواجه هذه الاستفزازات بمنهجية دبلوماسية تجمع بين الحزم والهدوء. فوزارة الخارجية الأردنية لا تتوانى عن استدعاء السفير الإسرائيلي وتسليمه مذكرات احتجاج شديدة اللهجة، مؤكدة أن مثل هذه التصرفات ليست مجرد إساءة، بل هي خرق فاضح لمعاهدة السلام وللقانون الدولي. وبهذا، يحول الأردن هذه التصريحات من مجرد ضجيج إعلامي إلى ملف دبلوماسي موثق يفضح نوايا أصحابها أمام العالم.

الشباب الأردني: خط الدفاع الرقمي

لم يعد الرد على هذه الاستفزازات حكرًا على القنوات الرسمية. فقد برز الشباب الأردني كخط دفاع رقمي فاعل ومؤثر. فبمجرد ظهور أي تصريح متطرف، تشتعل منصات التواصل الاجتماعي بالردود التي تمزج بين السخرية من الأوهام التوسعية والتأكيد الجاد على الثوابت الوطنية. وباستخدام وسوم (هاشتاجات) وطنية، وصور تعكس تاريخ الأردن وتلاحم شعبه مع قيادته وجيشه، يخلق هؤلاء الشباب رأيًا عامًا رقميًا قويًا، يفضح زيف الروايات المعادية ويقدم للعالم صورة الأردن الحقيقية: بلد آمن، وشعب واعٍ، ووطن عصي على الانكسار.

خرق قانوني لمعاهدة السلام

إن خطورة هذه التصريحات تتجاوز كونها مجرد استفزاز سياسي، لتدخل في نطاق الخرق القانوني المباشر لمعاهدة السلام الأردنية-الإسرائيلية (وادي عربة) الموقعة عام 1994. فالمعاهدة تنص بوضوح على الاحترام المتبادل لسيادة كل طرف وسلامته الإقليمية واستقلاله السياسي. وعندما يظهر مسؤول إسرائيلي ملوحًا بخريطة تضم أراضي أردنية، فإن ذلك لا يعد فقط “عملًا غير ودي”، بل هو تقويض صريح لأساس المعاهدة التي تلزم الطرفين بالامتناع عن التهديد بالقوة أو استخدامها ضد سلامة أراضي الطرف الآخر، وعن الدعاية العدائية. هذا البعد القانوني يمنح الموقف الأردني صلابة إضافية في المحافل الدولية، ويحول القضية من خلاف سياسي إلى انتهاك موثق للقانون الدولي.

الجبهة الداخلية: مصدر القوة الحقيقية

القوة الحقيقية للموقف الأردني لا تنبع من بيانات الشجب فقط، بل من تلاحم جبهته الداخلية. فالقيادة الهاشمية، ممثلة بجلالة الملك عبد الله الثاني، والقوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي، والشعب الأردني، يقفون على قلب رجل واحد في وجه أي محاولة للمساس بسيادة الوطن أو أمنه. هذا الإجماع الوطني هو خط الدفاع الأول والأقوى، وهو الرسالة الأبلغ التي تصل إلى من يعنيهم الأمر: الأردن ليس ساحة مستباحة للطموحات التوسعية، وأمنه ليس ورقة للمساومة في المزايدات السياسية الداخلية الإسرائيلية.

الدفاع عن فلسطين دفاع عن الأردن

يدرك الأردن بعمق أن هذه التهديدات لا تستهدفه بمعزل عن محيطه. إنها جزء لا يتجزأ من محاولة ممنهجة لتصفية القضية الفلسطينية ووأد حل الدولتين. لذلك، فإن دفاع الأردن الشرس عن ثوابته الوطنية هو في جوهره دفاع عن الحق الفلسطيني. فكلما ارتفع صوت الأردن مدافعًا عن سيادته، ارتفع معه الصوت المدافع عن حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وعن الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية التي تشكل خط حماية تاريخي وروحاني في وجه محاولات التهويد.

 دعوة لتوحيد الصفوف

في المحصلة، ستبقى هذه التصريحات مجرد أصوات نشاز في تاريخ المنطقة، بينما سيبقى الأردن حقيقة ثابتة وصخرة صلبة تتحطم عليها أوهام المتطرفين. لكن هذا الصمود الأردني، الذي يمثل خط الدفاع الأول عن أمن واستقرار المنطقة بأسرها، يجب ألا يظل وحيدًا. إنه يتطلب موقفًا عربيًا موحدًا وداعمًا، يتجاوز بيانات التضامن إلى استراتيجيات فاعلة تضغط على المجتمع الدولي لرفض هذه الأيديولوجيات المتطرفة ومحاسبة مروجيها. فقوة الأردن من قوة أمته، وقوة الأمة تكمن في وحدتها وتضامنها. وكما يردد الأردنيون دائمًا: “حمى الله الأردن ملكًا وشعبًا، وأدام عليه نعمة الأمن والأمان”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى