مقالات و آراء

الحاجة إلى رقمنة الأنظمة لضمان استقرار سوق العمالة المنزلية

د. احمد الهباهبه

قطاع استقدام العمالة المنزلية في الأردن يعكس صورة معقدة تجمع بين الطموح الاقتصادي والقصور القانوني. التحديات التي تواجه هذا القطاع تتجاوز مجرد الإجراءات الإدارية، لتصل إلى صميم العلاقة بين الكفيل والعاملة، وحقوق الطرفين في آن واحد. العقد الممتد لعامين يفرض التزامات على جميع الأطراف، بينما فترة الضمان البالغة 90 يومًا تحول نفسها من أداة حماية إلى ثغرة قانونية تُستغل بشكل متزايد، إذ يلجأ بعض الكفلاء إلى استبدال العاملة لأسباب غير جوهرية، مستفيدين من الحق المجاني، ما يخلق فجوة تعاقدية تؤثر في جميع الأطراف. حقوق العاملة تُختزل أحيانًا إلى مجرد حسابات مالية، فيما تتضاءل حقوق المكاتب أمام تكاليف إضافية وإجراءات معقدة، ما يطرح سؤالًا إنسانيًا حول طبيعة العلاقة بين الإنسان والعقد، وهل يمكن اعتبار العاملين سلعة خاضعة للتجربة أم أفراد يجب بناء التعامل معهم على أسس واضحة منذ البداية.

ظاهرة هروب العاملات تضيف بعدًا آخر إلى هذا الواقع، إذ تتحول السوق السوداء إلى مساحة استغلالية تستنزف الكفلاء والمكاتب على حد سواء. الاتفاقيات الدولية الموقعة مع الدول المصدرة للعمالة تحتوي على بنود لحماية المكاتب الأردنية، لكنها غالبًا تبقى حبرًا على ورق، في حين تنتشر شبكات السمسرة التي تنظم عمل العاملات خارج القانون، مما يستدعي تحركًا رقابيًا صارمًا لتقويض هذه السوق المتنامية على حساب القانون وحقوق المواطنين.

الجوانب الإدارية والقانونية تشهد بدورها ثغرات واضحة. حالات وفاة الكفلاء تضع ورثتهم أمام مغالطات قانونية، إذ يُطلب تضمين العاملات ضمن حصر الإرث، في حين أن العلاقة القائمة بين الطرفين عقدية وتنتهي بوفاة أحدهما، ما يؤكد الحاجة إلى مراجعة شاملة للقوانين والتعليمات. البيروقراطية الإدارية ما زالت قائمة، إذ تتطلب معاملات الاستقدام تقديم مستندات ورقية متعددة، بينما تتيح الرقمنة فرصًا لتسهيل الإجراءات، توفير الوقت والجهد، وتقليل الأخطاء.

القطاع يحتاج إلى رؤية شاملة تراعي حقوق جميع الأطراف، تضمن استقرار العاملين والمكاتب والكفلاء، وتعزز الرقابة والشفافية. تحسين الأنظمة القانونية وتفعيل الرقمنة يمثلان مفتاحًا لتحقيق هذا الهدف، إذ تتيح آليات واضحة وعادلة لبناء علاقة متوازنة بين الإنسان والعقد، وتضمن حماية العامل والمستفيد في آن واحد، مع المحافظة على استدامة هذا القطاع الحيوي في الاقتصاد الأردني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى