لماذا نتأخر.. الإدارات الجامعية ومجالس الحاكمية!

د. مفضي المومني
في خضم ما يدور من نقاشات وتصريحات… حول تعليمنا العالي والجامعات…وأوضاع لا تسر الخاطر ولا الوطن… فقد كتبت بذلك منذ سنوات وقرعت ناقوس الخطر …بأن النتاجات لن تكون مرضية في ظل مشكلة الإدارات الجامعية… ومجالس الحاكمية فيها…وآلية عملها… ولم يحرك التعليم العالي ومجلسه ساكناً… بل بقينا نجتر الخيبات ونكرر الأخطاء… وتاليا ما كتبت سابقاً مع بعض التصرف:
الإدارة عنوانك للتقدم، وفي جامعاتنا هنالك مجالس حاكمية تبدأ من القسم الأكاديمي، إلى مجلس الكلية ومن ثم مجلس العمداء، وقد حدد قانون الجامعات الرسمية وقانون التعليم العالي صلاحيات هذه المجالس، ودورها الهام في صنع القرار، ولا خلاف على ذلك، ولكن من التجربة هنالك معضلة كبرى جعلت من مجالس الحاكمية في بعض الجامعات عباره عن ديكور شكلي ومطواعة حد التهميش، لتمرير كل ما يريده رئيس الجامعة…!، بحيث اصبحت محيدة وكانها غير موجودة، إذ لا يجرؤ أي من أعضاء المجالس مخالفة الرئيس أو التصويت ضد رغبته بغض النظر عن قناعاته الشخصية..!، لأنه مهدد بالعزل وعدم التجديد لمناكفته الرئيس ومعارضته حتى لو كان على حق، والسبب لو رجعنا إلى المتسلسلة لوجدنا أن رئيس الجامعة ينسب نوابه وعمدائه لمجلس الأمناء، والعمداء ينسبون رؤساء الأقسام للرئيس، ومجالس الكليات تشكل من العميد ونوابه ورؤساء الأقسام الأكاديمية وممثليها، وهنا يصبح ممثلي الأقسام أقلية في مجلس الكلية…! لا تأثير لهم بصنع القرار حتى لو كانوا غير مدجنين ..!.
إذا نلاحظ أن كل الهيكل الأداري الأكاديمي ومجالس الحاكمية تُعين من قبل الرئيس بشكل مباشر أو غير مباشر، وكذلك عزلهم بتنسيبه أو بشكل مباشر..! من هنا نلاحظ أن البنية الأكاديمية لمجالس الحاكمية ليست محايدة وهي عرضة للإستقطاب من قبل الرئيس لأنه في النهاية هو من يعين او ينسب شخوصها، ولوجود حالة مصلحية مرتبطة بحب المنصب وتسلط الرئيس أو دكتاتوريته أحياناً، وخضوعه للإبتزاز او الواسطات من جهات مختلفة ومتنفذة..!، وهنا نلاحظ أن السلطة مطلقة(أي مفسدة مطلقة… كما تعلمنا..!) ومحصورة بشخص الرئيس أيا كان إلا من رحم ربي… !!، والتجارب تحفل بتعيين رؤساء.. بالواسطة والدعم من جهة السلطة.. وتوصيات جهات أخرى… لا يستحقون مناصبهم وتعوزهم الكفاءة الإدارية والاكاديمية… واحيانا مدججين بعُقد السلطة والنرجسية والسادية.. والفساد… والامثلة كثيرة…(بين مطرود او معفى، او مقال أو مجبر على الاستقالة…! ).
ففي حين أن الحريات الأكاديمية والحريات العامة مصانة في التشريعات وهي سمة يجب أن تسود الوسط الأكاديمي، وفي ممارسات كثيرة نجد في جامعاتنا تسلط ودكتاتورية مقيته تنخر بعض الإدارات الجامعية في مستوياتها المختلفة، بمعنى أنه لا حرية في الرأي، والحرية ليست الحرية المطلقة ولكن الحرية المنضبطة للتعبير عن الرأي للمصلحة وكذلك التصويت الحر في المجالس دون توجيه أو خوف او موت ضمير أو تخاذل، ولمن يجتزء الكلام ويسقطه على هواه، أنا اتكلم بشكل عام، وأعتقد أن التفعيل الحقيقي لمجالس الحاكمية وإخراجها من دورها الهامشي الديكوري المجتزأ(شاهد الزور) حالياً في الكثير من جامعاتنا، سيحصن الرئيس ويحصن القرار ويؤكد ويفعل المصلحة العامة، ويوقف الضغوط والمساومات والواسطات وتبادل المصالح على الرئيس والإداري من رئيس الجامعة حتى رئيس القسم. وضربت أمثلة للضغوطات على الرؤساء بين وزير متقدم.. يطلب من رئيس تعيين وابتعاث ابنته وزوجها… وآخر يطلب تعيين قريبه عميد… وآخر يتوسط لترقية أحدهم… والقائمة تطول… وقصير العمر من رؤساء الجامعات من لم يمتثل… وينفذ… والامر ينطبق على توسطات النواب وكل ذي نفوذ… ولهذا تترنح مسيرتنا الجامعية… ونتأخر… وليتني أكذب ببعض لا كل ما اعرف…!.
الحرية صَنَعت الشعوب، لكن غيابها عن بعض أو غالبية المجتمعات الأكاديمية يقتل الجامعات ويجعلها تتأخر… ! مع أن المجتمعات الأكاديمية هي الأولى بسيادة الحرية واحترام الرأي والرأي الآخر، وقول كلمة الحق المبنية على التشريعات والأسس الصحيحة لترسخ تحقيق العدالة والشفافية والمصلحة العامة، وعكس ذلك غالبا ما أدى لتأخر جامعاتنا وسيادة الأجواء المقيتة فيها، من نفاق وتزلف وتأليه للأشخاص، وخلق شخصيات هلامية تابعه لا رأي لها، وشخصيات أكاديمية هزيلة مرتعبة، فأي جيل ستخرج لنا هذه الشخصيات الخائفة المرعوبة! حتما النتاجات، تأخر في كل شيء لأن الجامعات والنظام التعليمي الحر تصنع المواطن الواعي الصالح والعامل الصالح والموظف المبدع، الجامعات بيت الخبرة للأمة وعقلها، إن صلُحت مع النظام التعليمي ككل صلح كل شيء، والدول التي تطورت وخرجت من نكساتها عبر التاريخ فعلت ذلك فقط من خلال إصلاح النظام التعليمي ورصانته.
ما هو الحل إذاً؟ الحل بيد مجلس التعليم العالي وصناع القرار، إذ يجب وضع آلية لتشكيل مجالس الحاكمية من مجلس القسم إلى مجلس الكلية ومجلس العمداء لا تكون اليد الطولى في تشكيلها للرئيس، وقد يتم الذهاب إلى الإنتخاب بطريقة أو أخرى، وقد نصل لحالة ان تفرز هذه المجالس أو أعضاء الهيئة التدريسية رئيس الجامعة كما يتم في الدول الأخرى، فلا أعتقد أن منصب رئيس الجامعة منصب سياسي يحتاج كل هذه الهاله التي نقحمه فيها..! هو منصب أكاديمي بامتياز لإدارة مؤسسة أكاديمية، وبعد إفراغ مجلس التعليم العالي في التعديلات الأخيرة من رؤساء الجامعات، لم يعد رؤساء الجامعات صناع خطط واستراتيجيات، بل انتقل الدور لمجلس التعليم العالي، والذي تثبت المعطيات الأخيرة، أننا بحاجة لإعادة صياغة تشكيله، إذ أن غالبيته من المعينين والممثلين لجهات حكومية..! ورئيسه هو وزير التعليم العالي، وإذا دخلت في التفاصيل ستصل إلى الشيطان لا محالة… !
ربما لا نحتاج كل هذا في الإدارات والمجالس إذا توفرت الكفاءة والفاعلية والحيادية والشفافية وتطبيق التشريعات فعلا لا كلاماً وكذباً، والإبتعاد عن أمراض الدكتاتورية والتسلط، ومحاولات الغاء الآخر ، والواسطات للتعيين والمناصب الاكاديمية…( سألت أحد الرؤساء… كيف تعين س عميداً… وتاريخه الإداري والاكاديمي فاشل… وعليه قضايا… ووو… أجابني بالحرف الواحد؛ جابلي واسطات بتعينه وزير..!)… هذا نزر من حقائق سوداء تقود العمل الجامعي هنا وهناك… ولا اعمم..!.
من يطيق او يتوقع أن تسود الوسط الأكاديمي كل هذه الموبقات… أو علاقه قوي ظالم وضعيف مظلوم، من يتوقع وجود شخصيات نرجسية سادية تتلذذ بأذى الآخرين الزملاء والمتميزين…!! وفساد إداري ومالي ينخر جسم جامعاتنا..! فليس كل ما يصرح به بعض رؤساء الاستعراض الاعلامي صحيح… بطولات وهمية وكذب بكل الاتجاهات… لتأمين المنصب… ولتذهب الجامعة للجحيم… !
دعونا نعترف بالواقع وأن هنالك أزمة مبادئ واخلاق تجتاح وسطنا الأكاديمي، وتجلس مع زملاء من الوسط الجامعي فتسمع ما لا يسُر… ولا يتناسب مع الأكاديميا في اسوء أحوالها.
ولا نرى اي حركة مؤثرة في سياسات التعليم العالي، من وزراء تعاقبوا المنصب… سكون يتبعه سكون، وفزعات إدارية واكاديمية بالقطعة… لا تسمن ولا تغني عن تطوير… وما زلنا ننتظر من يعلق الجرس…لا من يخلط الاوراق…!
… حمى الله الأردن