ورش تصليح السيارات في الأردن… بين الخبرة والتخريب

د. أحمد الهباهبه
حين تتعطل مركبة المواطن في الطريق، أول ما يتبادر إلى ذهنه هو أقرب ورشة ميكانيك، هذه الورش، التي أصبحت جزءًا من تفاصيل الحياة اليومية، وتتعامل مع أرواح معلقة على كفاءة فني، وضمير ميكانيكي، وأمانة مصلحة. ومع ذلك، لا تزال هذه المهنة، بكل ما تحمله من مسؤولية، أسيرة للفوضى والارتجال.
في معظم المناطق، من عمان إلى الأطراف، تنتشر الورش بشكل عشوائي، يختلط فيه الحرفي الماهر بالطارئ على المهنة، ويغيب فيه الحد الفاصل بين الخبرة والتجريب، و في بعض الأحيان، تكشف اللغة الجسدية للعامل أكثر من شهادته؛ إذ لا حاجة لكثير من الورش إلى ورق معتمد أو تدريب مهني. المفك والرافعة، وأحيانًا السلوك الصاخب، هي أدوات العمل اليومية.
تبدأ المشكلة حين يدخل الزبون بسيارته على أمل أن تعود إليه أكثر أمانًا، لكنه يكتشف لاحقًا أن الضرر قد ازداد، أو أن القطعة التي دفع ثمنها جديدة استبدلت بأخرى تالفة. في السوق المفتوح، لا أحد يسأل من أين جاءت القطع، أو من قام بتركيبها، بل يتعامل الكثير من أصحاب الورش مع الزبائن بمنطق: “إذا ما بتعرف، رح تدفع”.
أما ما هو أخطر من الغش التجاري، فهو الاستهتار بسلامة المركبة. يتم التعامل مع الفرامل، والستيرنغ، ونظام التعليق، وكأنها تفاصيل ثانوية، مع أن أي خلل فيها قد يؤدي إلى كارثة في الطريق. بعض الورش لا ترى في السيارة سوى “بوكس” يجب إصلاحه بسرعة والانتقال للزبون التالي. الوقت مال، والدقة خسارة، والمهنية تُعتبر ترفًا.
هنا لا نتحدث عن حالات فردية، بل عن واقع واسع الانتشار. هناك سيارات تخرج من الورش بحالة أسوأ مما دخلت فيها، ولا أحد يدري إن كان العطل القادم سيتسبب بحادث. هناك سيارات تم إصلاحها فقط “ظاهريًا” لتُباع في السوق وكأنها بلا تاريخ حوادث. وهناك كثير من الميكانيكيين يمارسون المهنة منذ عقود، دون أن يمروا يومًا بأي تدريب تقني أو حتى اطلاع على كتالوج حديث.
في النهاية، المواطن مضطر أن يثق. لا خيار لديه سوى أن يضع سيارته – وحياته – في يد فني لا يعرف عنه سوى رقم هاتف. وهنا تكمن الأزمة الحقيقية: حين تتحول الحاجة إلى تسليم، والثقة إلى مجازفة، والمهنة إلى مغامرة يومية.
المشكلة هنا أصبحت في غياب القناعة بأن هذه المهنة أخطر من مجرد تغيير زيت أو تصليح حيث إنها تتعامل مع آلة تزن طنين، تسير على الطريق، وتحمل أسرًا وأطفالًا. إصلاحها السيئ ليس خطأ مهنيًا… بل جريمة محتملة.
في الأردن، لا يمكن أن نبني ثقة مجتمعية حقيقية ما لم نُعِد الاعتبار لقيمة المهنة نفسها. ليس كل من ارتدى زيًّا ملوثًا بالزيوت يمكن اعتباره “معلمًا”، ولا كل من فتح ورشة يُفترض أن يكون أهلًا لها….. المهارة وحدها لا تكفي، ما لم تقترن بالأخلاق، والإحساس بثقل المسؤولية، والإيمان بأن ما يتم إصلاحه هو مايتعلق بحياة كاملة تسير على عجلات.