تحذير وطني: فوضى استحداث التخصصات في الجامعات الأردنية تهدد جودة التعليم العالي وسوق العمل

هلا نيوز أونلاين
يُشهد للأردن، منذ عقود، بأنه منارة للتعليم العالي في العالم العربي والإقليم، بفضل مخرجاته الأكاديمية المتميزة التي كانت على الدوام ملاذًا لسوق العمل المحلي والعربي، واستقطب بذلك آلاف الطلبة العرب الباحثين عن شهادة تُبنى على علم راسخ ومهارة حقيقية.
لكن، ومع تطورات العصر ودخول معايير التصنيفات العالمية وجودة التعليم في صلب التقييم، لم يعد كافياً للأردن أن يتغنّى بماضٍ مشرف. المنافسة الآن تُقاس بجودة الخريج، لا بتاريخ الجامعة، وبقدرتها على التحديث المدروس لا الاستعراض الأكاديمي.
فوضى التخصصات الجديدة: استعراض أكاديمي لا أكثر
ما نعيشه اليوم في جامعاتنا ليس مجرد تحديث في الخطط أو تطوير أكاديمي، بل سباق غير محسوب لاستحداث برامج وتخصصات دون دراسة دقيقة لحاجات سوق العمل أو ضمانات جودة المخرجات.
طلبات استحداث التخصصات المقدمة لمجلس التعليم العالي تحتوي أهدافًا نظرية براقة ونتاجات تعلم يصعب تحقيقها، لكنها تُمرر لأغراض أخرى لا علاقة لها بالمصلحة الأكاديمية، ومنها:
-
استعراض عمادات أمام رئاسات الجامعات لإثبات “الإنجاز”.
-
فتح فرص تعيين للأقارب والمعارف.
-
زيادة عبء التدريس لأعضاء الهيئة الأكاديمية (الإضافي).
أزمة مضاعفة: شهادات بلا مهارات
النتيجة؟ جيش متزايد من الخريجين غير المؤهلين لسوق العمل، يعمّق أزمة البطالة الوطنية.
وأكثر الأمثلة إيلامًا ما حدث في جامعة عريقة استحدثت برنامجًا لتأهيل طلاب في مجال خدمة الزوار والسياحة، ثم قبلت فيه مجموعة من الطلبة من ذوي الإعاقة السمعية والنطقية، في تخصص يتطلب مهارات تواصل شفهية عالية مع الزوار!
فأين الخطة؟ وأين المخرج؟ وما مصير هؤلاء الخريجين بعد أربع سنوات؟!
تأثير سلبي على البرامج القائمة
غالبًا ما يؤثر التخصص الجديد سلبًا على التخصصات الأصيلة عبر سحب عدد من القبولات من برامج قائمة، واستنزاف موارد الكليات بدل تطوير ما هو موجود.
وفي كثير من الحالات، لا يكمل البرنامج ثلاث سنوات حتى يُغلق لضعف الإقبال، وتبدأ سلسلة من الأزمات:
-
ماذا عن الطلاب؟
-
ماذا عن الأساتذة؟
-
كيف تُعالج هذه الفوضى؟
اختلال في الأولويات
للأسف، أصبحت بعض الجامعات الأردنية هدفًا بحد ذاتها لدى الطلبة، بغض النظر عن طبيعة التخصص أو ميول الطالب، فالهدف صار الحصول على الشهادة فقط، وليس اكتساب مهارة أو علم.
ولو أجري استفتاء على اختيارات الطلبة، لكانت النتيجة واضحة: “المهم أن أدخل الجامعة، لا يهم ماذا أدرس”.
ناقوس خطر
نحن أمام كارثة أكاديمية واجتماعية مقبلة إن لم تُتخذ إجراءات عاجلة، أبرزها:
-
تحقيق فعلي في الحاجة لكل تخصص جديد قبل ترخيصه، مع ربطه بخطط وطنية لاحتياجات سوق العمل.
-
تشديد معايير الاعتماد العام والخاص من قبل هيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي وضمان جودتها.
-
وقف نزيف البرامج الهشة التي لا تمتلك رؤية مستدامة، ولا تضمن مستقبلًا حقيقيًا للخريج.
-
ضبط تعيين الأكاديميين وإيقاف سياسة الترضيات والمجاملات في استحداث الأقسام.
كلمة أخيرة
إن لم تُراجع السياسات فورًا وبصرامة، فإننا سنواجه قنبلة موقوتة من خريجين بلا فرص، يحملون شهادات لا تعكس مهاراتهم، ويشكلون ضغطًا اقتصاديًا واجتماعيًا لا يُحتمل.
على وزارة التعليم العالي أن تستدرك الأمر الآن، لا غدًا، لإنقاذ ما تبقى من سمعة التعليم الأردني، وتحقيق رؤية وطنية نابعة من أرض الواقع، لا من نبرة الخطابات.