سارة طالب السهيل تكتب : شركة البوتاس العربية إنجازات وطنية تُبنى برؤية قيادة وطنية

سارة طالب السهيل
تعتبر شركة البوتاس العربية إحدى أهم الشركات الصناعية في المملكة الأردنية الهاشمية، حيث تؤدي دورًا محوريًا في الاقتصاد الوطني من خلال إنتاج وتصدير أملاح البوتاس المستخدمة في الصناعات الزراعية والكيميائية حول العالم. تأسست الشركة في عام 1956 كجزء من رؤية الملك الراحل الحسين بن طلال لاستغلال ثروات البحر الميت الطبيعية، ومن بعده جلالة الملك عبدالله الثاني الذي واصل دعم هذا الصرح الصناعي الكبير.
بدأت الشركة مسيرتها الفعلية في عام 1961 بالإنتاج من مناجم الغور الصافي، ثم شهدت توسعات كبيرة خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات لزيادة الطاقة الإنتاجية وتنويع المنتجات. اليوم، تساهم الشركة بحوالي 2% من الناتج المحلي الإجمالي للأردن، وتعد مصدرًا رئيسيًا للعملة الصعبة حيث تصدر منتجاتها إلى أكثر من 60 دولة حول العالم. كما توفر آلاف الوظائف المباشرة وغير المباشرة، وتدعم الصناعات المحلية بمواد خام أساسية بأسعار تفضيلية.
تعتمد الشركة في عملياتها على مواقع إستراتيجية تشمل مناجم الغور الصافي جنوب البحر الميت ومجمع البوتاس الصناعي في العقبة. تنتج الشركة مجموعة متنوعة من المنتجات تشمل كلوريد البوتاسيوم وكبريتات البوتاسيوم وأملاح البرومين وملح الطعام المعالج باليود، بطاقة إنتاجية تصل إلى 2.5 مليون طن سنويًا.
تمكنت الشركة من تحقيق إنجازات كبيرة على مر السنين، منها تطوير تقنيات استخراج صديقة للبيئة، والحصول على شهادات الجودة العالمية مثل ISO، والمساهمة الفاعلة في مشاريع البحث العلمي المحلي. إلا أنها تواجه في المقابل تحديات لا تقل أهمية، كظاهرة نضوب مصادر البحر الميت بسبب التبخر، والمنافسة العالمية في أسعار البوتاس، بالإضافة إلى التحديات البيئية المرتبطة بالعمليات الصناعية.
استضافت جماعة عمان لحوارات المستقبل برئاسة عطوفة بلال حسن التل مؤخرًا معالي المهندس شحادة أبو هديب، رئيس مجلس إدارة شركة البوتاس العربية، والرئيس التنفيذي للشركة عطوفة الدكتور معن النسور، في ندوة سلطت الضوء على دور الشركة الحيوي في الاقتصاد الوطني. وعلى الرغم من أن مجال التعدين ليس تخصصي، إلا أن الندوة شدت انتباهي لأسباب عدة، أبرزها دماثة خلق معالي أبو هديب وتواضعه، وإلمامه الدقيق بكل تفاصيل الشركة التي يرأسها يُدارسها بحب وإخلاص، وكأنها بيته الذي يعتني بكل زاوية فيه.
لمستُ في حديث معالي أبو هديب روحًا وطنية صادقة، تتمثل في حرصه على تنمية الموارد الاقتصادية والصناعية للأردن، واهتمامه البالغ بتنمية الكوادر البشرية الأردنية وتوظيفها. كما أعجبتني الروح التعاونية بينه وبين فريقه، خاصة مع الدكتور النسور، مما يعكس بيئة عمل تكاملية تُحفز على الإنجاز.
كشفت الندوة عن حقائق مذهلة تجاهلها الكثيرون عن شركة البوتاس العربية، منها أنها مؤسسة وطنية خالصة يعمل فيها أكثر من 4000 موظف أردني من أصحاب الخبرات والكفاءات. كما أن البوتاس الأردني يعد من أجود أنواع البوتاس عالميًا، حتى وإن كان الإنتاج أقل من بعض المنافسين. تحولت ملكية الشركة من مستثمر كندي إلى ملكية أردنية، وهي اليوم من أفضل استثمارات الصناديق السيادية.
تمكنت الشركة من إثبات حضورها العالمي من خلال تطوير منتجات جديدة مثل “المادة الحمراء”، التي فتحت لها أبواب السوق الأوروبي، وزادت حصتها فيه من 3% إلى 21%، مع توقعات بأن تصل إلى 25% قريبًا. تتبنى الشركة رؤية استراتيجية واضحة تشمل مشاريع ضخمة بقيمة 370 مليون دينار، وتوسعًا نوعيًا وكميًا في المنتجات من 3 أنواع إلى 9 أنواع، مع خطط لمضاعفة الكميات خلال 7-8 سنوات.
تعمل الشركة أيضًا على مشروع توسع جنوبي ضخم بمساحة 28 كم²، كانت مليئة بالألغام، حيث تم تطهيرها بدعم من القوات المسلحة الأردنية. كما تتعاون بشكل وثيق مع شركة الفوسفات في مشاريع مشتركة تعود بفوائد كبيرة على الاقتصاد الوطني.
تواجه الشركة تحديات مثل ندرة المياه والطاقة ومساحات الملاحات، لكنها تعمل على تجاوزها بخطط مبتكرة، بدعم متواصل من جلالة الملك عبدالله الثاني الذي يتابع إنجازات الشركة، ويزور منشآتها بشكل دوري. تنافس الشركة كبرى الدول المنتجة للبوتاس مثل روسيا وبيلاروسيا والبرازيل وكندا، وتصدر منتجاتها إلى الهند والصين وأوروبا، مما يرفع من حصة الأردن في التجارة البينية، ويعزز قيمة الصادرات الوطنية.
تمتلك الحكومة الأردنية 52% من أسهم الشركة، مما يجعلها شريك استراتيجيً في التنمية الاقتصادية. تعد الشركة ثاني أكبر مصدر أردني بعد الفوسفات، وتوفر أكثر من 2500 وظيفة مباشرة. كما تلتزم بمسؤوليتها الاجتماعية من خلال تمويل مشاريع تعليمية وصحية في مناطق الجنوب.
شركة البوتاس العربية ليست مجرد منشأة صناعية، بل هي قصة نجاح وطنية بامتياز، تجسدت برؤية القيادة الهاشمية وهمة الكوادر الأردنية. بإنجازاتها الحالية وخططها المستقبلية، تثبت أن الأردن قادر على تحويل التحديات إلى فرص، والموارد الطبيعية إلى ثروة مستدامة تُسهم في ازدهار الوطن. تعمل الشركة حاليًا على مشاريع التوسع الأفقي والعمودي، واستثمارات في الطاقة المتجددة، وتطوير منتجات جديدة ذات قيمة مضافة، وتعزيز التعاون مع القطاع الأكاديمي للبحث والتطوير.
تظل شركة البوتاس العربية شريكًا استراتيجيًا في التنمية الاقتصادية الأردنية، حيث تجمع بين الاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية والمسؤولية الاجتماعية والبيئية. مع التحديات التي تواجهها، تحتاج الشركة إلى دعم مستمر من الحكومة وتبني استراتيجيات مبتكرة لضمان استمراريتها كرافد اقتصادي مهم للأردن في العقود القادمة.