مقالات و آراء

الملك بين رفاق السلاح.. صوت الاعتدال في زمن الاصطفاف

ديمه الفاعوري

في ظل الأوضاع السياسية المشحونة بالأحداث والتوترات، يبرز جلالة الملك عبد الله الثاني كواحد من أكثر القادة حكمة ومرونة في التعاطي مع المستجدات الإقليمية والدولية، لا بالصوت المرتفع ولا بالخطابات الطنانة، بل برؤية متزنة، تقرأ الواقع وتتهيأ للمستقبل، وتوازن ما بين الثوابت الوطنية والاستحقاقات الجيوسياسية المتغيرة.

لقاء الملك بالمتقاعدين العسكريين في قصر الحسينية، بدا وكأنه استدعاء للذاكرة الأردنية العميقة، حين كانت البندقية الأردنية لا تطلق إلا دفاعاً عن السيادة، وعمق الدولة لا يُقاس بعدد التصريحات بل بعمق الالتزام بكرامة المواطن وحماية الحدود. الملك، وهو يضع أولويات الأمن والاستقرار الأردني فوق كل اعتبار، بعث برسائل واضحة: الأردن لا يسمح بأن يكون ميداناً للانفجار، ولا ساحة للتصعيد، مهما ضاقت الجغرافيا، واشتدت المعادلات.

وفي لحظة اشتعلت فيها الضفة الغربية بالنار، واحترقت غزة تحت نيران الاحتلال، كان صوت الملك في الداخل والخارج يطالب بوقف الحرب لا بتجميلها، بتهدئة شاملة لا مؤقتة، وبسلام يعيد الحق لا يجمّد المعركة. وعندما رحّب الملك بالجهود الأميركية لخفض التصعيد، لم يكن ذلك موقف مجاملة، بل قراءة دقيقة لميزان القوى، وتحريك لعجلة الضغط السياسي ضمن هوامش التحرك المتاحة، تماماً كما يفعل القادة الذين يفهمون أن البراعة السياسية ليست في كسب المعركة بل في تجنيب أوطانهم خوضها.

الملك في كلماته أمام رفاق السلاح، لم يُطلق مواقف فضفاضة، بل ركّز على عناصر واضحة: حماية المواطن، التنسيق مع الحلفاء، واحترام القانون الدولي. كل كلمة كانت محسوبة، نابعة من مدرسة سياسية نضجت في أتون الأزمات، لا في مكاتب التنظير ولا في قاعات التصفيق. حتى حين تحدث عن «محاربة الإرهاب والتطرف»، أعاد التأكيد على دور الأردن في تلك المعركة الأخلاقية الكبرى، التي لم يتخلَّ عنها يوماً رغم كل ما جرى من تحولات إقليمية.

حضور، وهم من أبناء المؤسسة العسكرية التي صنعت الكرامة الأردنية، لم يخفوا فخرهم بالملك، ليس من باب الولاء التقليدي، بل من إيمانهم بأن هذا القائد لا يبدّل موقعه عند اشتداد الرياح. الأردن معه، ليس دولة تترنح بين المحاور، بل دولة لها إحداثياتها الخاصة، تقف بثقة، وتُشيد بنيانها بهدوء بعيداً عن ضجيج الساحات.

وفي لحظة يُختبر فيها كل شيء، من الحدود إلى المبادئ، يظهر الملك عبد الله كما عهدناه: قائدًا لا يُجامل على حساب السيادة، ولا يُقايض المبادئ بالواقع، بل يصوغ معادلة أردنية خالصة، تقوم على المصلحة الوطنية أولاً، وعلى صلابة الموقف في زمن السيولة.

بصراحة من يعرف السياسة يعرف أن الحنكة لا تُقاس بعدد المؤتمرات ولا بحجم الضجيج الإعلامي، بل بقدرة القائد على الإمساك بخيوط الأزمة، وتوجيه البوصلة حين يضيع الاتجاه، وهذا ما يفعله الملك عبد الله الثاني، مرة بعد مرة، دون أن يُشهر النصر، لأن النصر عنده ليس صورة تُلتقط، بل وطن يُصان.. حمى الله الوطن وقائده من كل مكروه .

المصدر : الدستور

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى