مقالات و آراء

المضحك المبكي… بين الواقع والطموح الرقمي

د. أحمد الهباهبه

الجميع كان ينتظر تفعيل الحكومة الإلكترونية بشكل شامل، كي يتمكن المواطن من إنجاز معاملاته من المنزل أو مكان عمله، دون الحاجة للتنقل والانتظار الطويل خلف النوافذ والإجراءات الورقية، إلا أن الواقع يشير إلى أن الاعتماد على الورق ما زال هو السائد. ورغم تطور البنية التحتية الرقمية في الأردن، إلا أن هناك إصرارًا غير مفهوم على إبقاء بعض الخدمات بعيدة عن الأتمتة، وكأن هناك من يستفيد من بقاء النظام التقليدي وتعطيل التحول الرقمي.

خبراء في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات يؤكدون أن أحد الأسباب الرئيسة لهذا التعثر يكمن في غياب خارطة طريق واضحة وشاملة لمشروع الحكومة الإلكترونية، إضافة إلى غياب الجهة المسؤولة التي تقوده بوضوح وتنسق بين المؤسسات المختلفة. كما أن البيروقراطية الإدارية وغياب الأنظمة والتعليمات الداعمة تشكل عائقًا أمام التنفيذ الحقيقي، ما يجعل النظام الإلكتروني أقرب إلى الشعارات منه إلى التطبيق الفعلي.

في الواقع، نحن نعيش مفارقة مؤلمة بين الطموح والواقع، إذ نتحدث كثيرًا عن تفعيل الأنظمة الإلكترونية في دوائر الدولة، لكن في الممارسة اليومية يتبين أنها إما معطلة أو تعمل بشكل محدود لا يرقى إلى طموحات المواطنين، ولا يعكس توجيهات جلالة الملك عبدالله الثاني الذي لطالما دعا إلى تسريع التحول الرقمي وتبني الخدمات الإلكترونية لتيسير حياة الناس.

أحد الأمثلة المؤلمة التي تعكس هذه الفجوة هو ما يواجهه المواطنون عند التقديم على البطاقة التعريفية الصادرة عن المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة. حيث يُمنح المواطن موعدًا لاستلام البطاقة بعد فترة قد تمتد إلى أربعة أو ستة أشهر. السؤال الذي يطرح نفسه هنا: كيف يمكن لمواطن مسن أو مريض أو من ذوي الإعاقة أن ينتظر نصف عام للحصول على بطاقة أساسية تمكنه من طلب عاملة أو الحصول على خدمات ضرورية لحياته اليومية؟

الموضوع لا يتعلق فقط بالتأخير، بل بمنظور كامل يجب أن يتغير تجاه فئة تحتاج إلى الرعاية لا إلى مزيد من التعقيد. هؤلاء لا يطلبون معروفًا من أحد، بل يطالبون بحق كفله لهم الدستور وأكدت عليه القيادة الهاشمية في كل مناسبة. هم لا ينتظرون مكرمة بل عدالة، ولا يبحثون عن استثناء بل عن نظام يحترم حاجاتهم ويعاملهم بكرامة.

في ظل كل هذه التحديات، تبرز الحاجة إلى مراجعة حقيقية لمسار الحكومة الإلكترونية، بعيدًا عن التصريحات والخطط النظرية. المطلوب اليوم ليس إطلاق أنظمة جديدة فقط، بل التأكد من كفاءتها وتطبيقها الفعلي، ومحاسبة الجهات التي تعيق تنفيذها، والاستماع إلى صوت المواطن الذي يتعامل مع هذه الأنظمة يوميًا. لا معنى لأي نظام لا يحقق الراحة للمواطن، ولا جدوى من أي خطة لا ترى النور.

التحول الرقمي ليس ترفًا ولا رفاهية، بل ضرورة وطنية لتقليل التكاليف، ورفع الكفاءة، وتحقيق العدالة في تقديم الخدمات، لا سيما للفئات الأكثر حاجة. ولا يمكن أن يكون عذرُ الظروف أو البيروقراطية مبررًا دائمًا للتأخير والتعطيل. من المؤسف أن تصبح الأنظمة الإلكترونية عناوين براقة في المؤتمرات والتقارير، بينما تبقى الخدمة الفعلية بعيدة عن متناول المواطن.

المطلوب اليوم أن تعود بوصلة العمل الحكومي إلى حيث يجب أن تكون: المواطن أولًا. وأن يصبح الحق في خدمة إلكترونية فاعلة وسريعة جزءًا من مفهوم المواطنة الكاملة، لا ترفًا مؤجلًا. علينا أن نعيد النظر، لا في التكنولوجيا فقط، بل في فلسفة تقديم الخدمة، لنكسب ثقة الناس، ونثبت أن الدولة قادرة على مواكبة العصر برؤية وإنجاز .

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى