مقالات و آراء

أبو شبكة يوقف الحرب من المستشفى

كامل النصيرات

هل تعلم أنّني بالصدفة أعدتُ ترتيب خريطة الشرق الأوسط من سريري في «المستشفى التخصُّصي»؟! نعم، فقد دخلتُ غرفة القسطرة شاعراً أنّ قلبي يقرع طبول الحرب، فركّبوا لي «شبكة» جديدة لانج،. وما إن لَمَعَتْ تلك الشبكة في شراييني حتى التقطتُ إشارة قويّة جعلتني أتّصل مباشرة بطهران وتل أبيب: «يا جماعة… افصلوا الراوتر، الحرب هتعلِّق السيستم». وفعلاً أُعلنت الهدنة—ليس لأنّ ترامب غرّد، بل لأنّ قلبي غرّد بنغمة «لا اتصال».

أما الليلة ثقيلة الدم في الـ CCU فحدِّث ولا حرج: أجهزة تصفير وتنبيه كأنني في حفلة دي جي رخيصة، ورائحة مطهِّر تشبه دعاية شامبو لا يعرفه أحد. توقّعتُ أن أرى الممرضة توزّع مشروبات طاقة مع كل نبضة، لكنّي اكتفيت بسماع أصوات المرضى يتنافسون على من يجلب ضغطه إلى القمّة أسرع. كانت ليلة مقرفة عابرة للزناخة..!
مع هذا، غمرتني عواطف الناس: زيارات ، مكالمات، رسائل، مقاطع صوتية، وأغلبها تسكب في روحي ضحكاً. المشكلة أنّني لا أستطيع الردّ على كل هذا الحب، خصوصاً أنّ أغلبه من النوع الساخر الذي يجعلني أضحك حتى ترتعش الشبكة الجديدة. وكم كان المشهد فكاهياً حين حمل الزوّار— العارفين أن تراكمي السكري عندي (14!)— فكانت هديّة “الطلّة عَ المريض” حلويّات فاخرة بدها واحد “ما بستحي” من أي مرض..!

الغريب أنّ اللقب الرسمي تبدّل: كنتُ «أبو وطن» وصرتُ «أبو شبكة». يبدو أنّ الناس سيفتحون معي الدعم الفنّي: «أبو شبكة، النت عندي بطيء، قلبي متشنج، إيش الحل؟»… سأردّ عليهم: «بدك قسطرة فايبر ».

وعودة إلى الحرب التي انتهت بلمسة زر من الشبكة المزروعة: صحيح أنّ الصواريخ سكتت، لكن المنتصر الحقيقي هو الدمار؛ الدمار طارحاً نفسه على الأرض كديك رومي شبعان يقول: «أنا هنا… لن أنقرض بسهولة».

خرجتُ من العملية بسلام (الحمد لله)، أوقفتُ حرباً بلا مؤتمر سلام، وتعلّمتُ أنّ قلب الإنسان قد يكون أعظم كابل بحري يربط القارات… أو يربطنا بأقرب علبة أدوية. وفي الحالتين، ما دام الضحك حيّاً، فالشبكة قويّة والإشارة فُل.
وبدقّة شريان واحدة، جعلتُ ترامب يغرّد: «أنا اللي اخترعت القلب قبل الجميع. لكنني عاجز تمامًا ألاقي دوا سكّري فعّال ل”أبو شبكة”..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى