مقالات و آراء

انتهت الجولة.. والصراع مع طهران لم يُحسم

د. أحمد الهباهبه
ليلة متوترة شهدها العالم يوم أمس وسط مخاوف من اندلاع حرب تختلط فيها الحسابات العسكرية بالرهانات السياسية، حيث خرجت تل أبيب، مساء الثلاثاء، لتعلن أنها وضعت حدًا لما وصفته بـ”أيام النار” في حربها مع طهران. فجأة، توقفت الصواريخ، وعمّ الصمتُ المشهد بعد اثني عشر يومًا من التصعيد المتبادل، وكأن شيئًا لم يكن. وبينما كانت الأنقاض تُرفع عن شوارع بئر السبع، كانت التصريحات تُصاغ بدقة خلف جدران الكابينيت الإسرائيلي.
نتنياهو، الذي بدا مُمسكًا بخيوط المشهد من بدايته حتى نهايته، أعلن أن إسرائيل حققت أكثر مما خططت له. استُخدمت عبارة “أزلنا التهديد الوجودي” كما لو أنها مفتاح لغرفة مغلقة منذ سنوات، في إشارة مباشرة إلى البرنامج النووي والصاروخي الإيراني، الذي طالما شكّل هاجسًا أمنيًا مركزيًا للدولة العبرية.
لكن البيان الإسرائيلي لم يأتِ خاليًا من التحذير. فوقف إطلاق النار، كما جاء على لسان رئيس الوزراء، ليس إلا هدنة مشروطة، ومرهونة بما سيحدث لاحقًا. بعبارةٍ أخرى، فإن أي خرقٍ لها سيعيد إشعال الجبهة، ولن تكون الردود محسوبة كما في السابق. وكأن إسرائيل أرادت أن ترسل رسالة مزدوجة: “نحن مستعدون للسلام… ولكن إصبعنا ما زال على الزناد”.
ترامب، الذي أطلّ بدوره عبر منصته الإلكترونية، لعب دور الوسيط الحاسم، وربما المُنقذ. جاء إعلانه بأن “وقف إطلاق النار دخل حيّز التنفيذ الآن” كخاتمة لصراعٍ بات يُهدد بتوسّع إقليمي، لا يرغب أحد – بمن فيهم ساكن البيت الأبيض – في رؤيته. هكذا، جاءت الرسالة الأمريكية بسيطة وصريحة: لا نريد تصعيدًا بعد اليوم.
بيد أن الأسئلة المُعلقة لا تزال كثيرة. ما الثمن الحقيقي لهذه المواجهة؟ وهل حقًا جرى تدمير ما وصفته تل أبيب بـ”التهديد الوجودي”؟ أم أن الأمر لا يتعدى ضربةً استباقية أرادت من خلالها إسرائيل أن تُعيد رسم خطوط التماس مع خصمها الإيراني في لحظة غموض إقليمي؟
المشهد، برمّته، لا يوحي أن الأمور ستبقى على حالها طويلاً. صحيح أن لغة البيانات اتسمت بالهدوء، وأن الدبلوماسية استعادت أنفاسها، لكن ما جرى خلال اثني عشر يومًا، وما لم يُعلَن بعد، قد يرسم ملامح مرحلة جديدة من الصراع الطويل بين طهران وتل أبيب. مرحلة لا يشترط أن تبدأ بالصواريخ، ولكنها حتمًا لن تنتهي عندها .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى