جامعات وتعليم

التعليم بين فوضى المنصات وصمت الإصلاح: من يُعيد للمدرسة هيبتها؟

هلا نيوز أونلاين

منذ سنوات، ونحن نتابع التحولات التي تعصف بالمشهد التعليمي، وكأننا أمام سوقٍ مفتوح بلا قواعد أو رؤية واضحة تُنظّم ملامحه. ففي وقت تتصاعد فيه الدعوات إلى “التحديث” و”الرقمنة”، تتكاثر تساؤلات محورية حول مستقبل التعليم في ظل فوضى المنصات وتراجع دور المدرسة والمعلم.

الجميع يتحدث عن التعليم، لكن القليل فقط يعمل على إصلاحه بعمق وجدية. القاعات الصفية باتت ساحات للتجريب، والمناهج تتغير بوتيرة متسارعة دون تقييم علمي للنتائج أو إشراك حقيقي لأهل الميدان. الطالب، في خضم هذه التبدلات، فقد مركزه الأساسي كهدف للعملية التعليمية، وأضحى أقرب إلى “زبون” في متجر رقمي، يختار ما يشاء من المعرفة الجاهزة، دون أن يتعمّق فيها أو يُسائلها.

المنصات التعليمية، التي يُفترض أنها أدوات داعمة، تحولت إلى بديل مشوش، يُغري الطالب بالشرح السريع بحثًا عن العلامة لا الفهم، ويُربك المعلم في تحديد دوره ووظيفته. وبينما استطاعت بعض هذه المنصات تقديم محتوى نوعي وفاعل، إلا أن الطوفان الرقمي غير المرخّص، والعشوائي تربويًا، جعل من التعليم سلعة تجارية لا أكثر.

وسائل التواصل الاجتماعي أضافت طبقة أخرى من الإرباك، إذ أصبح التعليم مادة ترويجية على شكل “تحفيز سطحي” أو “حلول سريعة” تفقد الطالب القدرة على التحليل العميق والتفكير النقدي، وتحيله إلى متلقٍ سلبي بدلًا من أن يكون شريكًا نشطًا في تعلّمه.

التحول الرقمي في حد ذاته ليس المشكلة. المشكلة الحقيقية هي غياب الإطار الناظم، وانعدام الرؤية الشاملة التي تُعيد التوازن بين المدرسة والمنصة، والمعلم والمؤثر.

المطلوب اليوم ليس فقط تحديث الأدوات، بل تجديد الفلسفة التعليمية نفسها. نحتاج إلى وقفة جادة من وزارة التربية والتعليم، ومن المجتمع التربوي ككل، لإعادة تعريف دور المدرسة والمعلم، ووضع معايير واضحة للمحتوى الرقمي، وتنظيم الفضاء التعليمي الافتراضي.

فالتعليم ليس ترفًا، ولا تجربة قابلة للفشل. إنه الركيزة الأولى لبناء الوعي والهوية والمكانة. والسكوت عن فوضاه اليوم هو تفريط بمستقبل الأجيال. فهل نتحرك قبل فوات الأوان؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى