مركز عدالة لحقوق الإنسان تضع مكاتب الاستقدام أمام مسؤولياتها

د.احمد الهباهبه
يُعد مركز عدالة لحقوق الإنسان من أبرز المؤسسات التي تشكل نقطة التقاء بين الوعي القانوني وكرامة الإنسان، لا سيما حين يتعلق الأمر بحقوق العاملات في المنازل، وهي فئة غالبًا ما تقع في الظل، على هامش النقاشات المجتمعية والرسمية، رغم ما يواجهونه من تحديات يومية في العمل والمعيشة.
وفي هذا السياق، لا يتعامل المركز مع العاملات باعتبارهن فاعلات اجتماعيات لهن الحق الكامل في بيئة عمل عادلة وآمنة تحفظ كرامتهن وتكفل حقوقهن الأساسية، وهو ما يتجلى في المبادرات المتنوعة التي يقودها المركز، سواء على المستوى القانوني أو التوعوي أو حتى التشريعي.
ما يميز نهج مركز عدالة هو قدرته على المزج بين المسار الحقوقي والنشاط المدني، إذ لا يكتفي فقط برصد الانتهاكات، بل يعمل على تفكيك المنظومة التي تسمح بتكرارها، بدءًا من التعاقدات غير المنصفة، مرورًا بضعف الرقابة، وصولًا إلى جهل العاملات بحقوقهن أو خوفهن من المطالبة بها.
في المقابل، لا يغفل المركز عن الطرف الآخر من المعادلة، وهم أصحاب مكاتب الاستقدام، الذين يمثلون نقطة تماس مباشرة مع هذه الفئة، وهو ما دفع المركز إلى تبني خط توعوي مزدوج، يستهدف العاملات من جهة، وأصحاب المكاتب من جهة أخرى، إيمانًا بأن العدالة لا تكتمل إلا إذا توفرت المعرفة لدى الجميع، لا سيما أولئك الذين يمتلكون سلطة اتخاذ القرار أو التأثير على سير العلاقة التعاقدية.
وفي هذا الإطار، جاءت ورشة العمل التي نظمها المركز اليوم في فندق اللاند مارك، لتكون أكثر من مجرد فعالية تدريبية. لقد كانت منصة لتبادل الخبرات، وتقديم تصورات قانونية مستندة إلى الواقع لا إلى النصوص الجامدة. الورشة جمعت أطرافًا متعددة: ممثلين عن مكاتب الاستقدام، مفتشين من وزارة العمل، ومجموعة من المحامين والمختصين، كلهم اجتمعوا على طاولة واحدة للبحث في الكيفية التي يمكن من خلالها تحويل القوانين إلى أدوات فعالة تضمن الإنصاف لا الردع فقط.
وقدم المشاركون في الورشة أوراق قانونية، ومداخلات من قبل الجهات المختصة والتي انطلقت من أرضية عملية نابعة من شكاوى وقصص واقعية، ومن هنا تكمن قوة مركز عدالة، في قدرته على ربط النظرية بالممارسة، وتقديم معالجات تترجم إلى سياسات واقعية وإجراءات ملموسة. اللافت في الطرح أن المركز لا يطالب بتغيير القوانين بقدر ما يدعو إلى تطبيق الموجود منها بحرفية ونزاهة، مع معالجة الثغرات التي تسمح بإفلات الانتهاكات من الحساب، خاصة حين يكون المستفيد منها أطراف لها نفوذ اقتصادي أو اجتماعي.
ما يحدث اليوم في الأردن على صعيد العلاقة بين العاملات المنزليات وأصحاب العمل، يعكس تحديًا أخلاقيًا وقانونيًا في آن واحد. هناك حاجة ماسة إلى خطاب مختلف، لا يغرق في الشفقة ولا يستسلم للتبرير. هذا ما يحاول مركز عدالة ترسيخه، خطاب عقلاني قائم على التمكين والتوازن، يُحمّل المسؤولية لكافة الأطراف دون استثناء، ويقدم مقترحات مبنية على بيانات، لا على انطباعات.
ربما ليس من المبالغة القول إن الجهد الذي يبذله المركز هو عمل استباقي، يحاول منع الانتهاكات قبل وقوعها، بدلًا من الاكتفاء برد الفعل، ورشة اليوم، وما سبقها من مبادرات، تؤكد أن هناك جهة تعي تمامًا أن العدالة بناءٌ تراكمي، يحتاج إلى إرادة سياسية، ووعي مجتمعي، وعمل قانوني متين.
بهذا النهج، لا يبدو أن مركز عدالة يكتفي بلعب دور المراقب أو الداعم، انما يطمح لأن يكون طرفًا في إنتاج سياسة حقوقية جديدة في الأردن، سياسة تنبع من الشارع وتُطبخ في الميدان، وتعود في النهاية على الجميع ببيئة إنسانية أكثر عدلًا وأمنًا.