الرياضة الأردنية بين واقع الهواية وحلم الاحتراف: الحاجة إلى قرار شجاع

هلا نيوز أونلاين
في الوقت الذي تحوّلت فيه الرياضة عالميًا إلى صناعة تدرّ المليارات وتُدار بعقلية الشركات، لا تزال الأندية الرياضية في الأردن رهينة لعقلية الهواية والمجاملات والمحسوبيات، ما يجعل الحديث عن التطوير مجرد شعارات تتكسر أمام واقع متجذّر لم يتغير منذ عقود.
■ أزمة تبدأ من الداخل
أولى العقبات التي تعيق الانتقال نحو الاحتراف تكمن في الهيئات العامة للأندية، التي تُنتج إدارات على أسس العلاقات الشخصية لا الكفاءة أو البرامج. وفي حين يُقرّر مالكو الأسهم في العالم مصير الأندية بناءً على الرؤية والعائد، يُنتخب القائمون على الرياضة في الأردن بمنطق الوجاهة والانتماءات.
■ لا ثقافة استثمار… ولا بيئة تشجع
ثقافة الاستثمار الرياضي غائبة كليًا، لا لدى الإدارات ولا الجمهور. الجمهور يرى النادي من زاوية الانتماء العاطفي، بينما تعتبره الإدارات منصّة للظهور الاجتماعي، لا مشروعًا مسؤولًا. ومع غياب الكفاءة، تتلاشى المحاسبة، وتتكرر الإخفاقات من موسم إلى آخر.
■ خلل في البنية التشريعية والإدارية
التشريعات الناظمة للرياضة الأردنية لا تواكب التطورات العالمية. فلا يوجد قانون يسمح للأندية بالتحوّل إلى شركات، ولا بيئة تحفيزية للمستثمرين، ولا نظام يضمن شراكة القطاع الخاص. الإدارات تعمل دون حوكمة حقيقية، وسط ميزانيات تدار بغياب الشفافية والمساءلة.
■ أندية بلا بنية تحتية… ولا مقومات استثمار
معظم الأندية الأردنية لا تمتلك مقرات أو ملاعب خاصة، ولا مصادر دخل ثابتة، ولا حتى وحدة إعلامية أو تجارية تدير علامتها. الاستثمار في كيان هش كهذا مغامرة غير مضمونة، فكيف يمكن جذب رأس المال لمؤسسة لا تملك مقومات الاستدامة؟
■ النتيجة: مديونية وإخفاق وفوضى إدارية
النتيجة الطبيعية لهذا الواقع: أندية غارقة في الديون، تدار بمزاج الأشخاص لا بأنظمة واضحة، وتعيش على تبرعات موسمية. تتغير الإدارات وتتكرر الأخطاء، لأن الخلل في النظام لا في الأسماء فقط.
■ خارطة طريق للتحوّل الحقيقي
-
قانون جديد يسمح بتحويل الأندية إلى شركات مساهمة عامة أو خاصة.
-
ربط التصويت بالمساهمة المالية لضمان تمثيل حقيقي.
-
صندوق حكومي داعم لمواكبة الأندية خلال مراحل التحوّل.
-
إلزام بنشر الميزانيات المدققة علنًا لكل نادٍ يتلقى دعمًا حكوميًا.
-
إعادة هيكلة إدارية وفنية شاملة وتدريب الكوادر على العمل المؤسسي.
-
اشتراط الحد الأدنى من المؤهل الجامعي لرؤساء وأعضاء مجالس الإدارات لضمان الحد الأدنى من الكفاءة الإدارية.
■ في الختام…
الرياضة الأردنية لا تحتاج إلى قرارات تجميلية، بل إلى قرارات جذرية. ومن هنا، جاءت مبادرة سمو ولي العهد، الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، لتشكل لحظة فارقة وناقوس خطر يجب أن يُسمع. المبادرة وضعت الإصبع على الجرح، ودعت إلى إصلاح عميق للمنظومة.
من يحب ناديه حقًا، يجب أن يدفعه نحو الاحتراف، لا أن يبقيه رهينة للعشوائية والمجاملات. فالرياضة اليوم لم تعد هواية فقط… بل صناعة، ومن لا يدرك هذه الحقيقة سيبقى في الهامش، يتجرّع الخسائر داخل الملعب وخارجه.